هل في مقدور حركتي "فتح" و"حماس" رأب الصدع العميق بينهما، والسعي لبناء علاقة أكثر فاعلية؟ إذا ما استطاع الفلسطينيون تحقيق وحدة كهذه في صفوفهم، فلا تزال هناك فرصة للسلام مع الجانب الإسرائيلي، على رغم الانحراف اليميني الكبير الذي حدث في المشهد السياسي الإسرائيلي إثر الانتخابات الأخيرة. فربما تساعد وحدة الفلسطينيين جورج ميتشل، مبعوث الرئيس أوباما الخاص إلى منطقة الشرق الأوسط، في إحراز تقدم في مهمته التي كلف بها لإعادة قطار السلام إلى سكته. وفيما لو فشلت صفقة سلام ووحدة الصف الفلسطيني التي يجري التفاوض عليها، فإن ذلك لا يعني إحباط أمل السلام مع إسرائيل فحسب، بل يرجح له أن يكون سبباً أيضاً وراء اشتعال دورة جديدة من العنف في المنطقة، يتوقع لها أن تكون أشد عنفاً وأكثر زعزعة للاستقرار مما أحدثته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة. وهذا بحد ذاته سبب كاف لأن يعطي ميتشل أمر المصالحة الوطنية الفلسطينية اهتمامه الخاص ويبذل أقصى ما يستطيعه فيه. بل إن هناك بعض المؤشرات التي تدل على تحركه في هذا الاتجاه. يذكر أن المحادثات بين الجانبين الفلسطينيين قد بدأت بالفعل، بفضل الوساطة المصرية. وعلى صعيد آخر تتوسط مصر في حوار غير مباشر بين إسرائيل وحركة "حماس" بغية تعزيز التهدئة التي تم الإعلان عنها في شهر يناير المنصرم، إلى جانب إطلاق الأسير الإسرائيلي لدى حركة "حماس" المسمى "جلعاد شاليت" الذي بقي قيد الأسر منذ عام 2006 مقابل إطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل. والحق أن استغلال إسرائيل للصدع الحالي في صفوف الفلسطينيين، قد تسبب في كارثة مأساوية يعانيها فلسطينيو القطاع البالغ تعدادهم نحو 1.5 مليون نسمة. فإسرائيل لا تسمح بدخول مواد البناء والإنشاءات وغيرها من المساعدات المقدمة للفلسطينيين. ويعد إجراء كهذا بما يتضمنه من فرض عقوبة جماعية على مجتمع بكامله، مخالفاً للقانون الدولي الإنساني، إلا أن أحداً لم يجرؤ على مواجهتها بهذه الحقيقة بعد. يذكر أن التجاذب بين حركتي "فتح" و"حماس" يتسم بالصعوبة والتعقيد البالغين. ويشمل الخلاف بينهما تعارض رؤيتيهما للطريقة المثلى التي يمكن بها تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية العليا، بل إنهما تختلفان حول هذه الأهداف نفسها. فمن جانبها تريد حركة "فتح" أن يتم الإعلان عن قيام دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل. وعلى عكسها ترمي حركة "حماس" إلى محو إسرائيل من الوجود تماماً. ويرى محمود عباس "أبو مازن" حل الدولتين والتفاوض مع إسرائيل سبيلاً وحيداً للفوز بالنزاع. وكثيراً ما انتقد ميل حركة "حماس" لاستخدام القوة والعنف. أما قادة "حماس" فيرون أن المفاوضات التي يؤمن بجدواها "أبو مازن" لم تؤد إلى أي نتيجة، بينما تواصل إسرائيل توسيع مستوطناتها الصهيونية في أراضي الضفة الغربية، وهو نشاط مخالف للقانون الدولي أيضاً. وبينما تتهم "فتح" حركة "حماس" بأنها أداة بيد طهران، توجه "حماس" اتهاماً مماثلاً لفتح بأنها أداة بيد أميركا. وهكذا تمضي الاتهامات والاتهامات المضادة والخلافات بين المنظمتين الفلسطينيتين الرئيسيتين إلى ما لا نهاية فيما يبدو. وعلى رغم هذه الخلافات العقيمة، اتفق كبار ممثلي الطرفين المشاركون في محادثات القاهرة في منتصف شهر فبراير الجاري، على وضع حد للحرب الإعلامية بينهما إلى جانب دراسة خطط ترمي إلى التوصل إلى حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، فضلاً عن إعادة بناء وحدات الأمن الفلسطيني. وفي هذه المرحلة، تحتاج كل واحدة من هاتين المنظمتين الرئيسيتين إلى الأخرى. فمن ناحيتها تحتاج "حماس" إلى "فتح"، فيما لو أرادت تلبية حاجات مواطنيها في القطاع. وبالقدر نفسه تحتاج "فتح" إلى "حماس" أيضاً شريكاً في النضال لنيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وفيما لو نجح تبادل الأسرى بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن أحد الفلسطينيين الذين يتوقع الإفراج عنهم هو مروان البرغوثي -وهو قيادي من الجيل الثاني من قادة "فتح"، ومن أشد المناصرين لجهود المصالحة الوطنية بين حركته و"حماس". ويتمتع البرغوثي بشعبية أكبر من تلك التي يتمتع بها العديد من قادة حركته. ومن شأن إطلاق سراحه أن يضفي حيوية وديناميكية بناءة على المشهد السياسي الفلسطيني. ولكن أي سياسات سلام ستتبناها حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المرتقبة، يا ترى؟ ربما تتوافر بعض المؤشرات على السياسات هذه خلال محاولة التوفيق بين الفلسطينيين في شهر فبراير من عام 2007. حينها صرح قادة حركة "حماس" بالقول إن في وسع "أبو مازن" المضي قدماً في التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، غير أنهم اشترطوا إجراء استفتاء شعبي فلسطيني عام، على أي صفقة سلام نهائي يتم التوصل إليها مع الطرف الإسرائيلي. كما أبدى قادة "حماس" استعدادهم للالتزام بالنتائج التي يسفر عنها الاستفتاء الشعبي العام حول صفقة السلام النهائية تلك. ويعد موشراً إيجابياً كذلك تأكيد قادة "حماس" التزامهم بالموقف نفسه مؤخراً. ولما كانت واشنطن هي من أجهض مساعي المصالحة الوطنية الفلسطينية تلك في عام 2007، فإن العيون اليوم تتجه إلى أميركا حين تبدأ المفاوضات بين الفصائل نفسها غداً في القاهرة. هيلينا كوبان كاتبة أميركية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"