يبحث قادة دول الخليج العربية في قمة مسقط الأسبوع الجاري أثر انهيار أسعار النفط على اقتصاديات هذه الدول، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسؤولي البنوك المركزية لدول المجلس رجحوا خلال اجتماعهم في الرياض قبل حوالي شهرين أن دول الخليج، باقتصادها القوي والمتين، غير معرضة لتأثير الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم وأن الخطر على اقتصاديات المنطقة سيكون محدوداً. الآن وبعد مرور عدة أشهر على الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط، اكتشفت دول الخليج مدى ارتباطها وعلاقتها بالاقتصاد العالمي. وقد بدأ الجميع يشعر ببوادر الأزمة حين اتخذت بعض الدول الخليجية قرارات حاسمة بتسريح الآلاف من عمال البناء وشركات العقار. أسواق المال الخليجية بلا استثناء تعاني من انخفاض حاد في أسعار الأسهم مما خلق جواً من التشاؤم والخوف من المستقبل لدى المتعاملين في هذه الأسواق. الأزمة كشفت مدى حاجة دول الخليج لهذه القمة من أجل إعادة النظر في العديد من سياساتها الاقتصادية السابقة، خاصة ما يتعلق منها بأداء البنوك المركزية والحاجة إلى التأكد من سلامتها، وقدرتها على متابعة ارتفاع وانخفاض سعر الفائدة في الولايات المتحدة، فإذا رفع البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة رفعت دول الخليج الفائدة، وإذا خفّضها نقوم بتخفيضها لدينا. في ظل الوضع المالي والاقتصادي الصعب حالياً، مطلوب من محافظي البنوك المركزية اتخاذ قرارات صعبة، فهنالك شركات استثمارية عديدة قد تعلن إفلاسها، وربما بعض البنوك التجارية أيضاً، وهذا يعني أن البنوك المركزية تحتاج إلى كفاءات مالية واقتصادية عالية قادرة على متابعة كل ما يحدث في الأسواق العالمية ومدى تأثيرها على دول الخليج. الأمر الآخر الذي يحتاج إعادة النظر هو الصناديق السيادية، والتي كان دورها سابقاً ينحصر في إدارة أموال الأجيال القادمة والاستثمار بغرض تنويع الدخل... وكان كل المطلوب من إدارة هذه الصناديق هو توزيع الأموال الموجودة حسب قواعد متعارف عليها مسبقاً، وهي شراء أسهم وسندات وعقارات وغيرها، أما اليوم وفي خضم الأزمة المالية فإنه أصبح للصناديق دور آخر، فهي مطالبة بإنقاذ البورصات والبنوك التجارية والشركات المتعثرة خصوصاً شركات الاستثمار وغيرها. وبما أن هذه الصناديق من أدوات الحكومات لإنقاذ الاقتصاد، بما فيه من مؤسسات مالية وبورصات وغيرها، وبما أن دور هذه الصناديق تغير الآن، فلا بد من التأكيد على كفاءة الأشخاص المسؤولين عن هذه الصناديق، واختيار أشخاص ذوي خبرة عالمية في الأسواق وفي إدارة الأزمات للإسهام في إدارتها. مطلوب من القمة الخليجية التركيز على الاقتصاد لأن الأوضاع العالمية قد تسوء في السنوات القليلة القادمة، لذلك يلزم الاستعانة بأفضل الكفاءات المحلية والعالمية لإدارة الأزمة، ومطلوب من قادة الخليج تنسيق السياسات بين دول المجلس، فاقتصادياتنا مرتبطة ببعضها بعضا، فما يضر أحدها يضر جميع دول المجلس. د. شملان يوسف العيسى