بصفته الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، يتوقع أن يكون أوباما أول قيادي تنفيذي منذ عهد الرئيس الأسبق ليندون جونسون، فهو يتمتع بقدرات مذهلة على تغيير الواقع. وبحلول العشرين من شهر يناير المقبل، يتوقع أن يرث أوباما الركود الاقتصادي الذي سيخلفه وراءه الرئيس الحالي بوش. والمهمة الأولى التي سيواجهها أوباما، هي التصدي للتدهور الاقتصادي المالي الراهن، منعاً لانحدار البلاد -والعالم كله- إلى هاوية الكساد العظيم. وليس أمام الرئيس المقبل سوى خيارين اثنين: إما العمل على استعادة عافية الاقتصاد القومي ورده إلى طريق النمو والانتعاش، أو الاستسلام لشبح الكساد العظيم والسقوط في هاويته. وفيما لو تمكن من درء هذا الكساد، فذلك يعني تمكنه من تجاوز الفرضيات الأيديولوجية المحافظة التي سادت طوال العقود الثلاثة الماضية، وما نجم عنها من انزلاق المجتمع الأميركي إلى فئتين رئيسيتين: أغنياء وفقراء. وعليه فإن التحدي الرئيسي الذي يواجهه أوباما لا ينحصر في درء الكساد الاقتصادي وحده، وإنما درء فشل رئاسته نفسها. تلك هي خلاصة الأفكار الأساسية التي يناقشها المؤلف "روبرت كوتنر" في كتابه الذي نعرضه هنا. من رأي المؤلف أن لأوباما من المهارات والمواهب القيادية ما يؤهله لإحداث تحول جوهري في مجمل السياسات الأميركية، في جوانبها وزواياها المتعددة. والدليل أن فوزه بالمنصب الرئاسي في انتخابات نوفمبر الماضي، كان بحد ذاته تحولاً كبيراً وغير مسبوق في التاريخ الأميركي. وضمن التحول المنشود الذي يمكن لأوباما تسخير رئاسته المرتقبة لإحداثه، تحسين صورة أميركا واستعادة مكانتها دولياً. يذكر أن الكاتب الصحفي "فرانك ريتش" كان قد كتب معلقاً على الخطاب الذي ألقاه أوباما أثناء زيارته إلى برلين خلال حملته الانتخابية الرئاسية، متسائلاً: منذ متى لم ير مشاهدو التلفزيون من أطفالنا الأميركيين، أعلام بلادهم يتشح بها الأجانب ويلوحون فرحاً بها، بدلاً من تمزيقها وحرقها؟ في السياق نفسه يستطيع أوباما أن يستعيد التوازن ما بين الحريات المدنية والأمن القومي، وهو التوازن الذي ظل مفقوداً طوال سبع سنوات من تكتيكات فزاعة الإرهاب التي تآكلت بسببها الحريات المدنية للأميركيين وانتهكت باسم الدفاع عن الأمن القومي. وبالقدر نفسه يستطيع أوباما إعادة التوازن المفقود حالياً في علاقة الولايات المتحدة الأميركية مع بقية دول العالم وشعوبه، بسبب تصاعد النزعة الأحادية والتعويل على القوة العسكرية، وكلاهما طبع نهج إدارة بوش الحالية. وفي إطار العودة بأميركا إلى ساحة العمل الجماعي الدولية، يستطيع أوباما عمل الكثير في مجال التصدي لخطر التغير المناخي ورد الاعتبار لمعاهدة جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، وتصحيح علاقة أميركا الحالية بالمعاهدة التي نشأت بموجبها محكمة الجزاء الدولية، وغيرها. ورغم أهمية كل هذه القضايا وإلحاحها، يظل التحدي الاقتصادي الذي يواجه أوباما على رأس قائمة التحديات التي تنتظره. والسبب هو آنية وضغط الأزمة المالية الاقتصادية الحالية. ففي منتصف العام الماضي بدأت تظهر ملامح هذه الأزمة التي كانت تختمر أصلاً منذ سنوات طويلة، بسبب استمرار السياسات المالية والاقتصادية الخاطئة. ثم سرعان ما اكتملت معالمها وكشرت عن أنيابها بعد عام واحد من التخبط والتلجلج الحكوميين. والحق أن خلفية الأزمة الحالية تعود إلى 30 عاماً من التردي المستمر للوضع الاقتصادي المعيشي لعامة الأميركيين، نتيجة لعجز الحكومة عن الحفاظ على التوازن الاقتصادي في سياساتها. وتجلت أولى مظاهرها في التراجع الذي طال مستويات معيشة غالبية الأميركيين. ثم تواصل هذا الاتجاه السلبي، إثر تسلم الرئيس بوش لمهامه الرئاسية في يناير 2001. وبالنتيجة لا تزيد نسبة العاملين الذين عدلت دخولهم ورواتبهم بحيث تتناسب وتصاعد معدلات التضخم الاقتصادي في البلاد، عن 5% فحسب. أما الفئة الاجتماعية الأشد تأثراً بهذه السياسات فهي شباب وأطفال الطبقة الأميركية المتوسطة، الذين واجهوا صعوبات أكبر من تلك التي واجهها آباؤهم وأمهاتهم في تأمين مكانتهم الاجتماعية في الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها. فكلما استمرت الاتجاهات الاقتصادية السلبية هذه، كلما ارتفعت تكلفة الدراسة الجامعية، وكلما شق الحصول على التأمين الصحي اللائق بشباب وأطفال الطبقة المتوسطة، وكلما صعب عليهم شراء بيوتهم وامتلاكها. ومما يثير الملاحظة هنا أنه وعلى كثرة المحللين والمعلقين الاقتصاديين الذين تناولوا الأزمة الحالية، فقد سعى معظهم إلى ردها إلى عدة عوامل ومسببات، سواء كانت التعليم والتأهيل الوظيفي ومتغيرات سوق العمل... وما إليها من تفسيرات تقليدية، لكن أحداً منهم لم يتجرأ على ردها في الأصل إلى التحولات التي طرأت على السياسات الاقتصادية للحكومة، واختلال ذلك التوازن الذي كان قادراً قبل نحو 30 عاماً على حماية الأميركيين من اضطرابات السوق، ولجم جماح الجشع المالي والسعي وراء جمع الثروات دون أدنى مراعاة للتوازن الاقتصادي الاجتماعي. والنتيجة هي ما شهدته أسواق "وول ستريت" مؤخراً بكل ما حمله من تداعيات وتأثيرات سلبية مدمرة للاقتصاد القومي الأميركي ولحياة غالبية الأميركيين. والأخطر من ذلك، تجاوز هذه التأثيرات السلبية لحدود أميركا نفسها. عبدالجبار عبدالله الكتاب: تحدي أوباما: الأزمة الاقتصادية الأميركية وطاقة التغيير الرئاسي المؤلف: روبرت كوتنر الناشر: دار "تشيلسا جرين" للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2008