ضمن التحذيرات الواردة في دراسة حديثة أصدرتها "منظمة الصحة العالمية"، مؤخراً، هناك تحذير خاصّ بانتشار مرض السكري بين الأطفال الصغار الذين تقلّ أعمارهم عن خمسة أعوام في دولة الإمارات. بالنسبة إلى انتشار مرض السكري عند الكبار، تشير الإحصاءات إلى أن دولة الإمارات تحتلّ المرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً من حيث معدلات الإصابة بالمرض! ويشير الخبراء إلى أن انتشار مرض السكري بين الأطفال يعود، في الأساس، إلى السمنة والخمول والتغذية غير الصحية وارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى الجلوس أمام التلفزيون والألعاب الإلكترونية وقلّة النوم وتأخير مواعيد الذهاب إلى الفراش وعدم ممارسة الرياضة. انتشار السكري لا يهدّد الصحة العامة فقط، برغم خطورة هذا الأمر على مؤشّرات التنمية، بل يستنزف الموارد الصحية والمالية أيضاً، ويعدّ من مسبّبات عدم الاستقرار الاجتماعي والأسري جرّاء تزايد حالات الوفاة في سن مبكرة. الخبراء يوصون بالمشي لمدة ساعة يومياً كإجراء وقائيّ مفيد في منع الإصابة بمرض السكري والتحكّم فيه بين الكبار والصغار، وأمام هذه الجزئية تحديداً هناك علامات استفهام عديدة، بالنظر إلى انتشار أماكن التريّض المجهّزة والمهيّأة لممارسة رياضة المشي تحديداً، سواء في مدن الدولة الرئيسية أو غير ذلك، ومع هذا لا يلاحظ أن هناك إقبالاً على هذا النوع من الرياضة الخفيفة، مقارنة بمدى التهافت على مطاعم الوجبات الجاهزة والجلوس أمام شاشات التلفزيون من جانب الصغار، ناهيك عن التدخين المتواصل في المقاهي من جانب الشباب والمراهقين وكبار السن. هناك جهود تبذل على مستويات مختلفة وعلى فترات زمنية متفاوتة، ومن جانب أجهزة اتحادية ومحلية عديدة، سواء للتوعية ضد انتشار السكري وضغط الدم وأمراض القلب وغير ذلك، أو لحثّ مختلف شرائح المجتمع على ممارسة رياضات مثل المشي والجري وغيرهما، وهناك أموال باهظة تنفق على تنظيم هذه الحملات، ولكن لا أحد يلمس نتائج ملحوظة لهذه الجهود، ما يطرح بالتبعية تساؤلات عن أسباب محدودية الفاعلية والجدوى في حالات كهذه؟ في الإجابة عن ذلك يمكن القول إن غياب التنسيق يلعب دوراً ما في تحجيم فاعلية حملات التوعية الصحية، وكذلك برامج تشجيع الشباب على رياضة المشي وغيرها، وهناك أيضاً أسباب أخرى منها الموسميّة التي تتّسم بها هذه الحملات والجهود في غالب الأحوال، حيث تتمّ بشكل عامّ في توقيتات زمنية محدّدة، وتجرى في مناسبات معروفة سنوياً، سواء بمناسبة اليوم العالمي لمرض السكري أو مكافحة التدخين، أو أمراض القلب وغير ذلك، ولكنّها لا تأخذ شكل برامج العمل السنوية المتواصلة كي تستطيع ربط الأوساط والشرائح المجتمعية بها وتعطي الطابع والإيحاء بخطر المرض والإصرار على توصيل الرسالة وتحقيق الهدف. ولعل غياب مقوّمات أساسية عن الجهود المبذولة، حتى الآن، في مكافحة الأمراض الخطرة التي تهدّد الصحة العامة هو أحد أسباب استمرار مؤشّر الإصابة بهذه الأمراض في الارتفاع إلى مستويات قياسية تنذر بالخطر وتلفت انتباه المتخصّصين والجهات الصحية المعنيّة، محلياً وخارجياً، ما يتطلّب بدوره معالجة أوجه القصور وتنسيق الجهود بين هذه الجهات جميعها، بحيث تضطلع جهة أو هيئة واحدة بمهمّة التخطيط والتنظيم وتخرج رسالة واحدة وفي توقيتات ومناسبات وأماكن مدروسة، وتحشد لها سبل الدعاية الكافية لضمان نجاحها في تحقيق الهدف المرجوّ وتغيير القناعات وتعديل السلوكيات الغذائية اليومية لدى مختلف الشرائح العمرية في المجتمع. إن خطورة انتشار السكري وأمراض القلب وضغط الدم والكوليسترول وغير ذلك، خاصة بين الأطفال، تستحقّ تكاتفاً مجتمعياً يسهم في توعية الجمهور وتغيير سلوكياته باتجاه حياة صحية آمنة عبر تعديلات طفيفة على العادات اليومية الخطأ التي تسهم في زيادة مخاطر الإصابة بهذه الأمراض. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية