يا للحسرة، فزيمبابوي، التي كانت في يوم من الأيام واحداً من أجمل البلدان الأفريقية وأغزرها إنتاجاً، في طريقها اليوم إلى أن تصبح أسوأ كارثة في القارة بعد رواندا ودارفور. فتحت الحكم الديكتاتوري لرجلها القوي روبرت موجابي، بات اقتصادها قاب قوسين أو دنى من الانهيار، في وقت يعيش فيه شعبها في خوف بسبب قمع النظام لخصومه السياسيين. علاوة على ذلك، فقد مات الآلاف من الزيمبابويين بسبب سوء التغذية والكوليرا، ودُفن الكثيرون في بلداتهم النائية إلى درجة أنه لا أحد يستطيع الجزم بشأن العدد الحقيقي لسكان البلاد اليوم. ومن جهة أخرى، أدى سوء إدارة الاقتصاد إلى تضخم قياسي لا يصدق بلغ 231 مليوناً في المئة؛ بات معه معظم المواطنين غير قادرين على تأمين قوتهم الأساسي. وبدوره، أصبح نظام الصحة العامة في حالة يرثى لها حيث تسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل مضخات التنقية التي توفر الماء الصالح للشرب في انتشار الكوليرا (أنكر موجابي وجودها في البداية) التي حصدت أرواح أكثر من 1100 شخص حتى الآن، وأصابت آلافا آخرين، بل وانتقلت إلى البلدان المجاورة. ثم إن الصحافيين الأجانب أشخاص غير مرحب بهم، بشكل خاص، في زيمبابوي. أما عمال الإغاثة الدوليون من بقية العالم، فيخضعون للتحرِّي والتمحيص حتى يُسمح لهم بدخول البلاد، وكثيراً ما لا يُسمح لهم بذلك. ومما يذكر في هذا السياق أن موجابي لم يسمح بدخول الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وأمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي أنان، وزوجة نيلسون مانديلا، الخصم الجنوب أفريقي الأسطوري لنظام التمييز العنصري "الأبارتايد"، جراسا ماشل. لقد نالت زيمبابوي، التي كانت تسمى روديسيا الجنوبية في السابق (وقد سميت كذلك من قبل المستوطنين البيض تيمناً بباني الإمبراطورية البريطانية سيسيل رودس)، استقلالها في 1980 بعد حرب عصابات لعب فيها موجابي دوراً بارزاً. غير أنه مع مرور الزمن، انتزع من المزارعين البيض أراضيهم ودعاهم إلى مغادرة البلاد. كما تلطخت سمعته كمقاتل من أجل الحرية بعد انتخابات مزورة أبقته في السلطة كحاكم ديكتاتوري، ومسؤول عن فشل الاقتصاد وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. وعلى رغم أن عدداً من زعماء دول العالم، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، دعوه إلى التنحي عن السلطة، إلا أنه رفض كل هذه المطالب وتحداها، فقوبل رفضه بكثير من الاستياء الدولي، ولكن بقليل من الرغبة أو الاستعداد لممارسة ضغوط ملموسة وفعلية عليه. والجدير ذكره في هذا السياق أن مجلس الأمن الدولي من المنتظر أن يبحث قريباً الوضع في زيمبابوي، غير أنه من شبه المؤكد أن روسيا والصين ستستعملان حق النقض "الفيتو" ضد أي عمل عسكري. هذا علاوة على أن قوى أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال وألمانيا، وجميعها لديها تاريخ من الحكم الكولونيالي في أجزاء من القارة، لا تتمتع بمصداقية كبيرة وليست متحمسة لركوب أية مغامرة عسكرية في زيمبابوي. وبالمقابل، فإن الولايات المتحدة ليس لديها ماض كولونيالي في القارة الأفريقية، غير أن عدداً من البلدان الأفريقية تنظر إليها بغير قليل من الارتياب والشك. علاوة على كون زيمبابوي لا تكتسي أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لواشنطن التي لديها بواعث قلق أخرى أقوى وأكثر إلحاحاً في الشرق الأوسط وآسيا. ولكن، ماذا عن الدول الأفريقية؟ الواقع أن بعضها عبرت عن تنديدها بتجاوزات موجابي، غير أن لا أحد منها يرغب، على ما يبدو، في المشاركة في قوة أفريقية تزحف على العاصمة هراري (سالسبري سابقاً) من أجل خلع زعيم ساهم في إلحاق الهزيمة بالاستعمار، كيفما كانت درجة سوئه. وفي هذه الأثناء، يمنِّي البعض النفس بحدوث انقلاب داخلي، غير أنه إذا كان بعض جنود موجابي قد تمردوا مؤخراً، فإن دافعهم كان اقتصادياً، وليس سياسياً، ذلك أنهم ضاقوا ذرعاً بارتفاع الأسعار وعدم القدرة على صرف رواتبهم في البنوك المفتقرة إلى السيولة. وقد قمعت الحكومة العناصر التي كانت وراء أعمال الشغب، وقامت منذ ذلك الوقت بطرح ورقة نقدية من قيمة 500 مليون دولار زيمبابوي، وهو ما يعادل نحو 10 دولارات أميركية، للتداول. ومع ذلك، فإن الهدوء لم يستتب تماماً في صفوف الجيش بعد. وهذا هو ما يقودنا للحديث عن جنوب أفريقيا، التي تعد أغنى وأكثر بلد تطوراً في القارة الأفريقية. ذلك أن تأثيرها مهم وكبير، ولديها مصالح في ما يجري في جارتها الشمالية زيمبابوي من تطورات. ثم إن الكوليرا عبرت حدودها، وسيول اللاجئين تتدفق عليها بحثاً عن الطعام والمأوى والعمل. ومع ذلك، فإن الحكومة الجنوب أفريقية تهاونت على نحو مخز في استعمال قوتها السياسية والاقتصادية المهمة من أجل إنهاء الأزمة الإنسانية في زيمبابوي. واليوم، فإن ثابو مبيكي، الرئيس الجنوب أفريقي السابق، هو المفاوض الأفريقي المعين الذي يفترض أن يجلب لزيمبابوي بعض الانسجام والتناغم على شكل اقتسام للسلطة بين قوات موجابي وزعماء المعارضة السياسية الذين يقولون إن الغش والتزوير حرماهم من فوز انتخابي مؤخراً. علاوة على ذلك، فإن الحكومة الجنوب أفريقية نفسها تضم في صفوفها محاربين سابقين من أجل الحرية، غير أنهم بدلًا من أن يطالبوا بالإصلاح أو استقالة موجابي، آثروا التعامل معه بتساهل وغض طرف. وهو لا يستحق ذلك لأنه بدلًا من أن يجلب للزيمبابويين الحرية، جلب لهم اليأس والظلم والبؤس. لقد حاربت جنوب أفريقيا ببسالة وشجاعة من أجل نيل حريتها، واليوم يتعين عليها أن تساعد الزيمبابويين على تحقيق الشيء نفسه. جون هيوز نائب وزير الخارجية الأميركي في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور