من يراجع كشف حساب بوش الصغير وسياسة إدارته في الشرق الأوسط، سواء الكبير أو الصغير أو القديم أو الجديد، عبر السنوات الثماني السابقة؛ سيجد أن النتيجة النهائية هي نقطتان مشكوك فيهما في خانة النجاح، يقابلهما الرسوب أو الفشل في أربع عشرة قضية أخرى، وذلك نتيجة لاعتماده على المغامرة والمقامرة والتمسك باستراتيجيات فرض الإرادة بالقوة العسكرية، وتبني سياسات الفوضى الخلاقة، وتجاهل مصالح شعوب المنطقة وعدم تفهم ثقافاتها واحترام تقاليدها وأعرافها، والإغراق في تحقيق المصالح الأميركية فقط على حساب كل شيء آخر. فمبقارنة واقع المنطقة اليوم بما كانت عليه الأوضاع منذ ثماني سنوات فقط سنجد أن الجميع غُرِّر به باسم إعصار أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الذي اجتاح العالم بأسره، فسقط الكون رهينة هذه الأحداث، وغرق الفكر الاستراتيجي بمختلف مستوياته محلياً وإقليمياً ودولياً طوال هذه المدة في دوامة المقارنة بين عالم ما قبل الحادي عشر من سبتمبر وما بعده. يجب ألا ننكر أن هناك نجاحاً في قضيتين فقط، لكنه نجاح منقوص نتيجة للآثار السلبية الخطيرة التي صاحبته ولا تزال، أولاهما النجاح في إطلاق بركان العراق الذي لا يزال يلقي بنيرانه وحممه على المنطقة، فقد نجح بوش الصغير وإدارته وقواه العسكرية في إزالة نظام ديكتاتوري حكم العراق بالحديد والنار لعقود عدة ومنح الشعب العراقي الفرصة ليتقاتل على السلطة، ويصبح الوطن مستباحاً لكل صور وأشكال القتال والانتقام، لكنه في النهاية أتى بديكتاتورية شيعية تعمل وفق إرادة الولي الفقيه في إيران، تلك الجارة التي تتمنى أن يظل العراق ضعيفاً ومنقسماً وأحد أوراق المساومة مع الإدارة الأميركية، وبات مستقبل الدولة العراقية رهن رحمة القدر. أما النجاح الثاني لبوش الصغير وإدارته في الشرق الأوسط فكان في لبنان، حيث كان من نتيجة الضغط غير المباشر على سوريا أن تم انتخاب رئيس للدولة، وعودة العلاقات بين الدولتين إلى الحالة الطبيعية، ولكن لم يخل الأمر من مثالب السيطرة الإيرانية غير المباشرة على لبنان من خلال "حزب الله" الذي لا يزال يتمتع بصواريخه وأسلحته ويوجهها ضد الدولة، كما تصاعد إلى السطح دخان الفتنة الطائفية بين موزاييك التركيبة اللبنانية، ولم تصل الدولة إلى بر الأمان بعد، فلا تزال سوريا تتحين الفرصة للانقضاض وكذلك حال ملالي إيران. كل ما سبق يمثل جانب النجاح المشكوك فيه، أما الوجه الآخر فهو الفشل في أكثر من أربع عشرة قضية مصيرية في المنطقة، بدءاً بفلسطين التي ساءت أوضاع الفلسطينيين بها وانقسموا على أنفسهم، وباتت خريطة الطريق التي أعلنها بوش الصغير طريقاً للتوسع في بناء المستوطنات وتصريحاً للمستوطنين اليهود بقتل الفلسطينيين وحرق ممتلكاتهم، وامتدت يد الحرس الثوري الإيراني إلى داخل عناصر المقاومة الفلسطينية. أما سوريا التي استطاعت القوات الجوية الإسرائيلية أن تقضي على أملها في امتلاك قدرة نووية، ونجحت إدارة بوش في تحجيم طموحات نظامها وإعادته إلى داخل حدوده، فإنه جرى دفعها إلى أحضان إيران، وانتشرت بها الحسينيات الشيعية التابعة لحوزة قم، وظلت سوريا شوكة في جسد التآلف العربي والإجماع تجاه القضايا المصيرية. وإذا انتقلنا إلى الوضع في إيران، نجدها قد توحشت واستطاعت أن تصدِّر الثورة إلى كثير من دول المنطقة، وأضحت طرفاً مشتركاً في معظم صراعات الشرق الأوسط، وعلى من يريد أن يتوصل إلى حلول لهذه الصراعات أن يجالس ويفاوض -مُرغماً- الولي الفقيه، في الوقت نفسه لم يستطع بوش الصغير وزمرته إقناع ملالي إيران بالتنازل عن برنامجهم النووي العسكري، بل دفعهم إلى حرق المراحل لسرعة امتلاك قنبلة نووية، وهم يزهون بعدم اجتراء القوة العظمى وربيبتها إسرائيل على الإقدام على مهاجمة الجمهورية الإيرانية العظمى، وزاد الطين بلة عندما وقعت بعض تحرشات الحرس الثوري ضد السفن الأميركية في مياه الخليج العربي وسط تباهي إيران بتجارب متنوعة لصواريخ أرض -أرض والسعي لإطلاق أول قمر اصطناعي. أما السودان فالحديث عنه يطول بعد أن دب الانقسام في أوصاله، وتكاثر عليه دعاة الانفصال، وأدى التدخل الخارجي والداخلي إلى زيادة شقة الخلاف بين الأشقاء، ولم تفلح محاولات بوش الصغير ومساعديه في التوصل إلى حل ناجع للم شمل السودان، بل كانت هذه المحاولات سبباً رئيسياً في تشدد الانفصاليين في دارفور، ودفعتهم إلى المطالبة بحق تقرير المصير. ولم تُفلح المساعي العربية والإفريقية في تنفيذ أي من الاتفاقات التي جرى توقيعها بين أطراف الصراع، بل أصبح الرئيس السوداني متهماً من قبل المحكمة الجنائية الدولية التي رفض بوش الصغير نفسه السماح بانضمام الولايات المتحدة الأميركية لعضويتها خشية أن يواجه أي أميركي تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. والصومال تفكك وانهار وأصبح مرتعاً خصباً لتفريخ التطرف والإرهاب، ونموذجاً مثالياً لنشاط القرصنة البحرية التي تصول وتجول بالقرب من باب المندب وتجني ملايين الدولارات من ثمار القرصنة، بعد أن تم تقويض شرعية الدولة وضاعت السيادة الوطنية، وتم إهدار دم الشعب الصومالي لصالح جهات تدعمها واشنطن وتساندها بكل قوة بزعم منع الإسلاميين من السيطرة على البلاد، وغض بوش الصغير وإدارته الطرف عن المذابح اليومية التي يتعرض لها الصوماليون، فاختفت من على خريطة العالم دولة كانت يوماً اسمها الصومال. مصر بدورها لم تسلم من أخطاء بوش الصغير بعد محاولات إثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والأقباط هناك، والتي لا تزال نيرانها تخبو وتندلع من حين إلى آخر، وأضحت تقارير الكونجرس بشأن حرية الممارسات الدينية والمساعدات المالية الأميركية سيفاً مصلتاً على المصريين لتزيد من جذوة الطائفية وتدس السم بين أبناء الوطن الواحد، ومن شاهد فيلم "حسن ومرقص" لعادل إمام وعمر الشريف يدرك مدى تجذر الطائفية داخل شعب عُرف عبر التاريخ بتسامحه الديني ولم يحفل سجله التاريخي بأي حوادث طائفية، وكان الشعار المرفوع دائماً منذ ثورة 1919 هو: "عاش الهلال مع الصليب"، لكن بوش الصغير جاء إلى الشرق الأوسط بالفوضى الطائفية، بين المسلمين من سنة وشيعة، وبين المسلمين وغيرهم من الطوائف الدينية الأخرى، وجعل الصراع بين الأديان بديلاً واقعياً للصراع بين الحضارات الذي تنبأ به البروفيسور الأميركي صمويل هينتنجتون، وبات شعاره "يحيا الصليب ضد الهلال". أما الدعوة إلى الديمقراطية والعمل على نشرها في المنطقة فلم تكن أكثر من أكذوبة حاول بوش الصغير أن يتستر بها وتكون ورقة التوت التي تغطي تعامله العسكري مع كل قضايا المنطقة، والشعار الذي يخفي تحته فشله في معظم هذه القضايا، بل إن من يتابع مضمون ومحتوى خطب وتصريحات الرئيس بوش الصغير خلال السنوات الثلاث الماضية، يجد أن دعوته الديمقراطية قد توارت بعد خيبة الأمل في جعل العراق يتحرر من الديكتاتورية، وبعد أن أثبتت سياسته في المنطقة مدى "الديكتوقراطية" التي تحكم تصرفاته. وإذا انتقلنا إلى مدى انتشار الإرهاب ونتائج الحرب الأميركية عليه وكذلك الفشل في القضاء على تنظيم "القاعدة" وقياداته، وما يحدث في أفغانستان والهند وباكستان كجزء من شرقنا الأوسط الكبير والجديد، نستطيع بسهولة أن نتعرف على نتيجة مباراة بوش الصغير وإدارته في المنطقة، فهي ربما أقل من 2 "شبه نجاح" مقابل 14 فشلاً ذريعاً أي 14?. راسب... راسب... راسب!