بعد زيارتنا للعراق خلال الشهر الجاري، بدا واضحاً لنا أن ما لم يكن ممكناً تصوره قد بدأ يحدث بالفعل. فهناك عراق مستقر آمن وحر ينهض الآن من حطام الحرب والنزاع المسلح. وبالنتيجة فقد انخفض العنف إلى أدنى معدلاته منذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب. وقد بات العراقيون السنة العرب، الذين كانوا يمثلون النواة الرئيسية للتمرد بالأمس، من أقوى وأشد حلفائنا في الحرب ضد تنظيم "القاعدة" اليوم. وفي الوقت نفسه يتوقع لـ"اتفاق وضع القوات الأميركية في العراق" أن يبدأ سريانه اعتباراً من الشهر المقبل، ما يسمح لقواتنا بالانسحاب، في مقابل قدر أكبر من الاعتماد على القوات العراقية في مهام الدفاع الوطني. هذا إلى جانب تقدم السياسة العراقية بخطى أكبر نحو نظام الحكم الديمقراطي الفاعل، على رغم بعض أعراض الفوضى البادية عليها حتى الآن. وفي حين لا تزال الشكوك والمخاطر على هذه التجربة قائمة، مع صعوبة القول باستحالة انتكاس التقدم السياسي والأمني الذي أحرز، إلا أن الوضع شهد تحسناً كبيراً، قياساً إلى تلك الفترة الحالكة التي سبقت اشتعال نيران التمرد. وفي المقابل فإن المطلوب الآن هو أن يتحقق ما لم يكن ممكناً تصوره بشأن العراق هنا في واشنطن. وكما نعلم، فقد كان العراق سبباً رئيسياً وراء الاستقطاب الحاد والخلاف الذي ضرب سياساتنا وصانعي قراراتنا، بل وضرب الشارع الأميركي نفسه طوال السنوات الماضية من عمر الإدارة الحالية. وكثيراً ما تأثر الحوار العام حول العراق، بالمواقف الحزبية ومؤثرات الاستقطاب السياسي، على رغم أهمية وحدة الصف الأميركي بالنسبة لأمننا القومي في عالم تحفه المخاطر من كل صوب. واليوم أصبح في وسع الرئيس المنتخب باراك أوباما، وضع حد لهذه التشابكات الخلافية المدمرة وإعادة بناء إجماع ثنائي حزبي على السياسات الخارجية الأميركية، بما فيها وضع خريطة طريق لتحقيق المزيد من التقدم السياسي والأمني في بلاد الرافدين. وبتعيينه لفريق موهوب وذي كفاءة عالية لتولي شؤون الأمن القومي في إدارته الجديدة، أظهر الرئيس المنتخب أوباما عزمه سلفاً على تجاوز السياسات الخارجية الدارجة التي سادت طوال السنوات السبع الماضية. وبموجب هذا الانتقال، أصبح في وسع كل من وزير الدفاع روبرت جيتس، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والجنرال جيمس جونز، مستشار الرئيس للأمن القومي -وثلاثتهم يشكلون الفريق القائد للأمن القومي- توظيف ما يحظون به من تأييد ثنائي حزبي واسع، في مساعدة الرئيس الجديد على بلورة سياسات خارجية إزاء العراق، يمكن لها أن تحظى بتأييد كل من "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" على حد سواء. فلم يعد الكونجرس بحاجة إلى خوض المزيد من الحروب الحزبية حول استراتيجية الانسحاب وموعدها وتمويل الجهود الأمنية هناك. فالواجب الآن هو أن تتكاتف الجهود في سبيل دعم خطة للانسحاب المسؤول من العراق، بناءً على معطيات الواقع الميداني المتوفرة حالياً. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، فإن على الرئيس المنتخب وأعضاء فريق أمنه القومي، ونحن في الكونجرس، أن نسعى جميعاً لاستشارة الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة المركزية، وزميله الجنرال راي أوديرنو، قائد قوات التحالف الدولي في العراق. ويجدر بالذكر أن الجنرال أوديرنو هو المهندس الفعلي العملياتي لاستراتيجية زيادة عدد القوات التي بدأ تطبيقها في العام الماضي، حيث كان يعمل نائباً للجنرال بترايوس، إلى جانب كونه مهندساً عملياتياً لاستراتيجية استقطاب دعم القبائل والعشائر العراقية إلى جهودنا، بما فيها إقناع السنة العرب بنبذ تنظيم "القاعدة" والانضمام إلى صفوفنا في القتال ضده. وبصفته قائداً ميدانياً فعلياً في العراق، فإن من الواجب التعويل على رأيه بشأن الكيفية التي يمكن بها تنفيذ الانسحاب المسؤول لقواتنا، وحساب مدى تأثير هذه الخطوة على الوضع الأمني لاحقاً. ومما رأيناه خلال زيارتنا هذه، فإننا على قدر كبير من التفاؤل بأن يخطو الرئيس المنتخب أوباما خطوة كبيرة باتجاه تنفيذ خطته الخاصة بالانسحاب، وذلك ببدء سحب أعداد كبيرة من الجنود من المدن التي لا يزالون يرابطون فيها، مع الإبقاء على قوة محدودة تتولى مهام تدريب العراقيين وتمتين علاقاتنا معهم. وهذا ما يدعونا إلى حث الرئيس بوش على الإسراع -بالتنسيق والتشاور مع خلفه أوباما- في تنصيب سفير بديل للسفير الحالي رايان كروكر، وخاصة أن هذا الأخير قد أعلن عن رغبته في ترك منصبه الحالي في وقت مبكر من العام المقبل. يذكر أن كروكر قد لعب دوراً حيوياً في بناء شراكة مدنية- عسكرية دبلوماسية كان لها تأثيرها الإيجابي على تمتين العلاقات بيننا وبين العراقيين. ومن ناحيتهم فقد سئم العراقيون هذا الوجود العسكري الأجنبي الثقيل الممتد في أراضيهم. وللأسف فقد انعكس هذا السأم في تعبير الصحفي العراقي عنه بقذف حذائه في وجه الرئيس بوش أثناء زيارته الختامية للعراق في الأسبوع الماضي. وعليه فإن من المتوقع أن تقل هذه المشاعر مع بدء انسحاب قواتنا، ولكن دون أن تقلل بأية حال من أهمية الإجماع السياسي بين القادة العراقيين المنتخبين ديمقراطياً على بناء علاقات شراكة بعيدة المدى بين بلادهم وواشنطن. إلى ذلك يشكل العام المقبل 2009، عاماً بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل العراق وشرعية الحكم فيه، إذ يتوقع أن تجرى فيه انتخابات المحافظات أولاً لتليها الانتخابات العامة. ومما شاهدناه فإنه يمكن للعراق أن يكون مرتكزاً للاستقرار وقوة موازية لأطماع الهيمنة الإقليمية التي تبديها إيران، فضلاً عن كونه نموذجاً يحتذى لبناء الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط. بيد أنه ليست ثمة ضمانات لكل هذه المطامح. وهذا ما يستدعي أن يضع "الجمهوريون" و"الديمقراطيون" صراعاتهم الطاحنة بشأن العراق جانباً، ويتحدوا خلف السياسات التي يضعها الرئيس المنتخب باستشارة أفضل قادتنا العسكريين ودبلوماسيينا الميدانيين، في أمتن إجماع سياسي ثنائي حزبي. وهذا ما نأمل أن يخطو الرئيس المنتخب نحوه. جون ماكين، جو ليبرمان، وليندسي جراهام أعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"