الرحلة بين عمر بن سعيد وأوباما طويلة، لكنها ليست شيئاً في عمر البشرية، فالجنس البشري ظهر على الأرض منذ 6 ملايين سنة، لكن الثورة الزراعية دشنتها المرأة قبل 10 آلاف سنة، أما الحضارة فأصبح لها فقط ستة آلاف سنة، ولم يكتشف الحديد ويصنع حيث ألان الله الحديد لداوود إلا في القرن الثامن قبل الميلاد، ومن بنى الأهرامات لم يستخدم العجلات والحديد، وقليل من يعرف هذا، إذ بنيت بالعقل والعضل. ولو تأملنا الفقرة القادمة لحركت عندنا المشاعر عن صاحبها أما الفقرة فتقول: الله وحده له السيطرة على حياة البشر. وأما صاحبها فهو عمر بن سعيد الأميركي من أصل أفريقي في المخطوطة التي عثر عليها علم 1995م في بقايا شاحنة قديمة في فيرجينيا. وهي فقرة من فصل استشهد فيه بقوله تعالى في سورة الملك: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور". وهذا الرجل قصته حزينة وقصة مخطوطته أكثر حزناً. واليوم بعد أن عثر على مخطوطته التي كتبت باللغة العربية وقدمت لمركز الإيمان في نيويورك، وترجمها علاء الريس إلى الإنجليزية، ظهرت للسطح مرحلة مؤسفة من العبودية في أميركا. وقد ولد عمر بن سعيد عام 1773 في "فوتا تورو"، في المنطقة بين نهر السنغال وغامبيا، وبقي في غرب أفريقيا حتى سن الخامسة والعشرين وكان طالب علم شرعي، ووقع في الأسر عام 1807، ثم اقتيد للعبودية في أميركا حتى مماته عام 1864. أي أنه قضى في زنازن العبودية أكثر من نصف قرن. وكتب مخطوطته باللغة العربية وكشف فيها عن أسرار حبه وتعلقه بالإسلام، وكان ذلك في عام 1831. فقدت المخطوطة عام 1920، ثم أعيد اكتشافها عام 1995. واليوم تظهر في أميركا بطبعتها الإنجليزية، بعد أن أصبح صاحبها عظاماً وهو رميم. وتم تداول خبر هذه المخطوطة في الإنترنت، وهي تحكي عن صبر هذا الرجل وإيمانه وتحمله وتسامحه، مع قصص لا نهاية لها من العبودية. وكان ينظر إلى قدر الإنسان على أنه شيء أكبر من إرادته أحياناً، ومنها سيرته الذاتية. ومما يذكر روجيه غاروديه أن أفريقيا فرغت من البشر، حيث يعتقد أن عشرات الملايين من السود قضوا نحبهم وهم يشحنون كالحيوانات في السفن. وما زالت الصور المحفوظة في خزائن الوثائق حتى اليوم تظهر أفضل الطرق، لحمل أكبر عدد ممكن من العبيد في سفينة واحدة. وبرع التجار البرتغاليون في هذه الصنعة. والأخبار التي نقلت تحكي عن وفاة الكثير منهم في رحلة الذهاب إلى أميركا، والصور التي رأيتها أنا شخصياً من المصادر الألمانية ذكرتني بعلب السردين، وحتى الأقوياء منهم كانوا يموتون في رحلة الشحن. لكن أميركا تورطت في قضية ليس لها حل، وهي أن السود أصبحوا مواطنين أميركيين وبدؤوا يصعدون سلم القوة، كما رأينا مع كوندوليزا رايس وكولن باول وأخيراً باراك أوباما، فهم من ذرية أولئك الضعفاء المساكين العبيد المحمولين في مراكب العبودية أو المستضعفين في الأرض، والله غالب على أمره. ومالكولم اكس كان من قاع مجتمع السود فقفز إلى منصة التاريخ. وذات يوم جنّد لويس فرقان، المسلم الأسود، أكثر من مليون أسود في مواجهة البيت الأبيض، ويطمع أن يحشد في يوم ما عشرة ملايين. وهؤلاء السود الأميركيون يعتنقون الإسلام بازدياد، ويكتشفون جذورهم كل يوم كما جاء في فيلم "الجذور". ويتوقع المؤرخ توينبي أن يصل السود إلى القيادة وبالإسلام. والله أعلم حيث يجعل رسالته.