السقوط المدوي
في زيارة مفاجئة قام بها الرئيس بوش مودعاً أهل العراق تأتيه ضربة بالحذاء من صحفي عراقي يعبر فيها عن احتجاجه على السياسة الأميركية في بلاده. في الثقافة العربية الحذاء يعني الإهانة، وربما المعنى يختلف في الثقافة الغربية حيث الرؤساء والزعماء يتعرضون للضرب بالبيض والطماطم كتعبير عن الاحتجاج.
ما حدث أثار اهتمام وسائل الإعلام، واستطاع الصحفي العراقي-من وجهة نظر البعض- أن يدخل التاريخ بحذائه، ونعتقد بأن الحدث هو تعبير عن سقوط مدوٍ لنا نحن العرب في إداراتنا للحوار حيث يعجز العقل وتتحرك العضلات، ويسود منطق يعتمد على لغة العنف سواء اللفظي أو غيره.
وعندما راقبت الموقف كنت حريصاً على معرفة ردة الفعل، فالبعض في مصر عبروا عن سعادتهم، وأيدوا ما قام به الصحفي العراقي. والغرابة أن هؤلاء هم أعضاء في مجلس الشعب، وهم إفراز لانتخابات ديمقراطية، وكان يفترض أن يكونوا مدركين بأننا نحتج، ولكن عبر وسائل أكثر حضارية. يبدو لي أن لغة الحوار هبطت إلى الحضيض فنحن في الكويت لدينا نماذج مسيئة للديمقراطية حيث تستخدم العضلات في الخلاف والألفاظ النابية في تخاطبنا إلى أن وصل الأمر إلى طريق مسدود، واضطرت الحكومة إلى مواجهة الموقف بطرقها ولكن المواجهة مازالت مستمرة، حيث أصاب الديمقراطية مرض، وهو مرض نتج عن عجزنا. فنحن نريد الديمقراطية، ولكن لا نريد قيمها، ومن ثم حرفنا الديمقراطية، وتحولت إلى أداة لتعميق الخلاف والتقوقع على الذات. في هذا المشهد الكويتي الذي نتوقع له الاستمرار نجد أنفسنا أمام تطورات هي نتاج لثقافة عربية، اشترك فيها الحاكم والمحكوم والقوى السياسية، التي لم تبال لقيم الديمقراطية وتوجه اهتمامها نحو الاقتراع باعتباره تجسيدا للديمقراطية.
عودة لما حدث في العراق، فنحن نرى أن الموقف هو امتداد للعنف الذي ساد في المشهد العربي والإسلامي، وهو يعكس حالة عجز عربية إسلامية عامة حيث تعطلت لغة المنطق والحوار، مما دفع البعض لممارسة العنف بطرق مختلفة تعبر عن رغبة احتجاج ورفض لواقع مرير، ولكن لا يمكن لهذا الواقع أن يتغير إلا من خلال إعادة تقييم للأزمات المتلاحقة التي أصابتنا في مقتل، ولا يمكننا أن نقضي على العنف الدامي إلا من خلال الاعتراف بالخلل العام، الذي أصاب النظم السياسية والنخب العربية. فالنظم العربية اشتركت في المسؤولية عن ما وصلت إليه الأوضاع العربية، كما أن النخب العربية تتحمل المزيد في هذه الدراما، وهي نخب مساءلة، وعليها أن تمارس النقد وتكتشف الهفوات التي وقعت بها.
السياسة الأميركية سياسة منحازة، وهي لم تعلن عن نفسها بأنها سياسة موضوعية، بل تعلن أكثر من مرة بأنها مسؤولة عن إسرائيل وأمنها حتى وإنْ كان على حساب الحق العربي، وهي سياسة منسجمة مع نفسها. وأما العرب فهم غير منسجمين في استجاباتهم، ولا نستبعد بأن حالة الانفلات العربية سوف تقود إلى مزيد من التعقيد حتى بتغير الإدارة الأميركية.
وفي هذا السياق، نتذكر ما قاله وزير الدفاع الأميركي في لقاء المنامة حول رغبة أميركا في انضمام العراق لمجلس التعاون، وهو مطلب بحد ذاته يعكس حالة التشتت الخليجية، ونتمنى بألا ينظر للموضوع من باب الفلتان وردة الفعل العاطفية بقدر ما نقرأ ما وراء السطور في هذه المرحلة الخطرة، التي تمر بها دول الخليج العربي.