عقبات التوطين في القطاع المصرفي
يُعدّ القطاع المصرفي من أهم القطاعات الاقتصادية في الدولة، وأكثرها تأثيراً، ولهذا فإن هناك اهتماماً كبيراً بالتوطين فيه، حيث حدّد "المصرف المركزي الإماراتي" نسبة التوطين في المصارف بـ 4% سنوياً. وعلى الرغم من أن البنوك تعمل على الالتزام بهذه النسبة، خاصة أن لجنة تنمية الموارد البشرية في القطاع المصرفي تقوم بمتابعة هذا الالتزام، فإن هناك العديد من المؤشرات التي تكشف عن مشكلة في توطين الوظائف في القطاع المصرفي، وأن هناك العديد من العقبات التي تعترض هذا الطريق، حيث تشير الإحصاءات التي نشرتها إحدى الصحف المحلية، مؤخراً إلى أن أكثر من 1252 مواطناً ومواطنة قدموا استقالاتهم من البنوك خلال النصف الأول من العام الجاري 2008، بما يمثل ما نسبته 12% من إجمالي المواطنين العاملين في هذا القطاع، وأن نسبة التوطين في البنوك في الإمارات قد تراجعت خلال الفترة نفسها بنسبة 2.7% لتصل إلى 29.6%.
هناك العديد من الأسباب التي يتم طرحها من المصرفيين وغيرهم لتبرير التراجع في نسبة التوطين في البنوك مثل: قلة المعروض من الموارد البشرية المواطنة المتخصصة في مجال البنوك والعمل المصرفي في الوقت الذي يتم فيه التوسع في القطاع المصرفي بشكل كبير، سواء تعلق الأمر بإضافة بنوك جديدة، أو توسيع البنوك القائمة، وتفضيل الكثير من الخريجين الجدد العمل في القطاع الحكومي للاستفادة من راتبه ومزاياه الأخرى، خاصة فيما يتعلق بالإجازات وغيرها، وعدم تفضيل العمل في البنوك بسبب ظروف العمل فيها.
ولكن على الرغم من هذه الأسباب أو المبررات، فإنها يجب ألا تحجب حقيقتين مهمتين، أولاهما أن الالتزام بنسبة التوطين التي حددها "المصرف المركزي"، وهي 4% سنوياً، لا يعبّر في بعض البنوك عن دور حقيقي للعنصر المواطن في مجال العمل المصرفي بها، بالنظر إلى أنه يتم توظيف المواطنين أحياناً كثيرة في وظائف هامشية وغير مؤثرة، كما أن العناصر الوافدة ما زالت تسيطر على أكثرية الوظائف العليا والحساسة في القطاع المصرفي، بل إن إحصاءات "معهد الإمارات للدراسات المصرفية والمالية"، التي نشرتها صحيفة "الاتحاد"، في الأول من نوفمبر الماضي 2008، أشارت إلى انخفاض عدد المواطنين في الإدارة العليا في القطاع المصرفي بنسبة 31%، وفي الإدارة الوسطى بنسبة 11%، بينما ارتفع في الإدارة الدنيا بنسبة 17%، في نهاية النصف الأول من عام 2008 مقارنة بشهر ديسمبر من العام الماضي 2007. الحقيقة الثانية هي أن للبنوك نفسها دوراً من المهم أن تلعبه في مجال تأهيل الكوادر الوطنية المواطنة القادرة على العمل في الجهاز المصرفي، والترقي إلى الوظائف العليا فيه، وتدريبها، وإعدادها، وذلك من خلال التعاون مع "هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية المواطنة" (تنمية)، إضافة إلى المؤسسات التعليمية المختلفة.
لا شك في أن هناك بعض البنوك في الدولة تعطي عملية التوطين أهمية كبيرة، ويتولى المواطنون فيها عن كفاءة الوظائف العليا والمؤثرة، كما تحرص على تدريبهم، وتأهيلهم، والثقة بهم وبقدراتهم، إلا أن النظرة الشاملة إلى القطاع المصرفي تشير إلى وجود مشكلات تواجه عمليات التوطين فيه لها أبعادها وتفرعاتها المختلفة، ومن المهم التعامل برؤية شمولية وليست جزئية.
ــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.