حال... يُغني عن السؤال!
مرت أيام عيد الأضحى سريعة هادئة في عالمنا الإسلامي، وأدى أكثر من ثلاثة ملايين شعائر الحج في موسم وُصف بالأفضل والأكثر رحابة وسلاسة بسبب التوسعات الكبيرة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مما أحدث هذه النقلة النوعية الكبيرة التي انعكست بانسيابية ملفتة في الحرم المكي وعلى جسر الجمرات. والحال أن مناسبات كالعيد تتكرر عاماً بعد عام، وهي فرصة للمراجعة والتأمل وإجراء جردة حساب لحالنا ومستقبلنا كأمة مسلمة تمتد من تخوم المغرب على ضفاف المحيط الأطلسي إلى أقاصي جزر إندونيسيا إلى بعض البقع المتناثرة في أوروبا الشرقية مثل ألبانيا والبوسنة وكوسوفو والجاليات المسلمة في روسيا ودول الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية، أي ما يقدر بمليار وثلث المليار مسلم يشكلون أكثر من خمس البشرية. وهو حال لا يسر ولا يبشر بالخير، بكل أسف، حيث إن مجمل الناتج القومي للعالم الإسلامي يقترب من 8 تريليونات دولار أي حوالي 13% من مجمل الناتج العالمي البالغ 66 تريليون دولار، مما يعني أن مجمل الدول الـ57 المسلمة بمليارها والثلث لا يتعدى مجمل دخلها أكثر من 60% من دخل الولايات المتحدة الأميركية التي لا يتجاوز عدد سكانها 5% من سكان العالم. أما متوسط الدخل الفردي في دول منظمة المؤتمر الإسلامي فهو حوالي 6 آلاف دولار بنسبة بطالة في المتوسط تتجاوز 16% وبمجمل إنفاق عسكري يصل إلى 5% من مجمل الناتج الوطني في المتوسط للدول الأعضاء.
إلا أن التهميش ومحدودية القدرات هما السمة الطاغية على واقعنا. وهذا هو حالنا في عالم قسمه "المحافظون الجدد" بعد اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية في خانتين "إما معنا.. أو ضدنا". ويُضاف طبعاً إلى تهميش الغرب لنا ما نصنعه نحن بأنفسنا وبأيدينا. وهنا، للأسف، الخلافات البينية بين الدول الإسلامية وحتى داخل الدول نفسها بين جماعات وطوائف ومذاهب تقتتل وتتفرق ويتدخل الغرباء بينها لفض النزاعات أو لمآرب أخرى، ثم تزداد أخيراً المأساة لتطفو على السطح مصطلحات مثل البلقنة واللبننة والعرقنة وتفتيت الكيانات وتجزئة الأوطان.
وليس هذا كل شيء. فالأزمات في عالمنا الإسلامي لا تأتي فرادى، من باكستان وتجاذباتها إلى أفغانستان التي يقول تقرير صدر مؤخراً إن "طالبان" تهدد أكثر من 70% من أراضيها بعد أكثر من 7 أعوام من حرب أميركا على الإرهاب، إلى إيران التي تستمر في تخصيب اليورانيوم وتحدي المجتمع الدولي، وحين يهددها أوباما إما بالحوار أو بتشديد العقوبات، ترد هي بأنها لا تكترث، بل ويحاضر على أوباما ويشكك فيه المعتدلون البراغماتيون هناك مثل رفسنجاني.
وهناك العراق المتمدد بين أزماته ومهددات بقائه ككيان. أما دول الخليج فتبدو في موقعها الاستراتيجي الذي ينظر إليه الآخرون عبر الطاقة والاستثمارات وصناديق السيادة، وكأسواق لشركاتهم وعمالتهم المهاجرة. وتبدو غزة محاصرة وحزينة بقدر ما تبدو فلسطين كلها منقسمة ومتحاربة وفي حالة ضياع وضنك وفقر وجوع. وفي لبنان تستمر الانقسامات بين الأغلبية والأقلية، ولا يبدو أنه شهد حتى الآن الفصل الأخير من فصول المواجهة والتصعيد. ثم ماذا بعد؟ هناك السودان المفتت المجزأ في جنوبه ودارفوره وسط مضايقات لرئيسه. وفي المغرب العربي هناك انقلاب موريتانيا وتعديلات في دساتير بعض الدول.
هذا هو حالنا، وهو حال يغني عن كل سؤال. أما من حولنا فهناك عالم جديد يتشكل، ويأخذ طريقه إلى التغيير، أو على الأقل هذا هو الشعار الذي يرفعه الرئيس الأميركي الجديد أوباما ذو الأصول الإسلامية، الذي يتوقع أن يلقي خطاباً تصالحياً مع العالم الإسلامي خلال الأشهر الأولى من حكمه في عاصمة إسلامية.
وباختصار، فإن المشهد الذي نعيشه هو مزيج من حروب واحتقانات، وتهديد بالعصي والجزر، ونذر تفكك أوطان وضياع تنمية، مع عجزنا في العالم الإسلامي عن تشكيل جبهة متراصة وبسياسات موحدة لمخاطبة العالم بلغته وبأساليب عصرية. مع الاعتراف بأن أسباب هذا العجز، كما لا يخفى على الكثيرين، ليست أسباباً عقائدية دينية بقدر تمحورها حول السياسات الضيقة والتعصب والانحياز والانتقام والتشكيك المبني على جهل يغذيه التعصب ويقتات من سياسات ولاعبين -من الدول ومن غير الدول- يُحرّضون على التخندق والتعصب والتشرنق. حالنا حال، وكلنا آمال أن يحمل الغد الآتي حالاً آخر، أفضل وأجمل.