حمّل الرئيس الأميركي جورج بوش منذ أيام "الإرهابي" ياسر عرفات "والتوسعي" أرييل شارون مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق وأمن وسلام واستقرار وحل في المنطقة! وقبل ذلك، كان قد كشف النقاب عن أنه رفض مراراً وتكراراً مصافحة الرئيس الفلسطيني عرفات في وقت كان يدعي فيه بذل الجهود للوصول إلى اتفاق سلام مع إسرائيل. وقال ذات مرة: "واهم هذا الرجل أنني سأصافحه, فليصافح نفسه"! قبل أسابيع من انتهاء ولايته، لم يعد ثمة متسع من الوقت ليصافح أو ليصالح الرئيس بوش نفسه! نعم، لقد فات الأوان، ويسجّل في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية أنه الرئيس الأقل شعبية باعتراف عدد كبير من المسؤولين الأميركيين وبنتيجة استطلاعات رأي أميركية كثيرة. والنتائج الكارثية لسياسته ظاهرة اليوم على مستوى كل العالم وخصوصاً في أميركا نفسها. الانهيار المالي العالمي تتحمل مسؤوليته السياسات الأميركية عموماً وسياسة إدارة بوش خصوصاً. الإخفاقات والهزائم والخسائر المتتالية في عدد من الدول والمواقع في العالم سمة بارزة وعلامة فارقة في سجل هذه الإدارة. كذلك فإن الحرب على "الإرهاب" التي قادتها إدارة بوش، والتي حددت هدفاً لها، انتهت إلى شن القوات الأميركية غارات على مناطق في أفغانستان وباكستان، على مواقع اعتقدوا أن بن لادن أو نائبه الظواهري موجودان فيها، فتبين أنها مواقع سكنية قُتِل فيها مدنيون أبرياء. وكدنا نصل إلى مواجهة بين الهند وباكستان في الأيام الأخيرة والتوتر لا يزال قائماً بعد عملية مومباي في الهند والتكنولوجيا الأميركية لم تتمكن من تحديد مكان "الإرهابيين" أو رصد حركتهم وهم يقومون بعمليات مكشوفة ومعروفة؟ ويحققون تقدماً على الأرض يصوره الإعلاميون بالكاميرات العادية! أليس في ذلك تساؤل عما يجري؟ هل هو بريء أم مبرمج ومقصود؟ وبالعودة إلى فلسطين التي لا نغادرها. فعندما يصنّف الرئيس الأميركي الرئيس الفلسطيني المنتخب الشهيد ياسر عرفات بأنه إرهابي، كيف يمكن أن يتحقق سلام؟ لا الفلسطيني يقبل ذلك، وإذا تصرف كما تصرف عرفات يصبر وعناد وإرادة قوية صلبة وحفر في الجبال ليعود إلى فلسطين ويقيم سلطة ويكرس وجوداً ويفتح الباب أمام المقاومة لمزيد من الحضور والقوة والفعالية والدور في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي، فإنه- أي عرفات- سيلقى المصير الذي لقيه، وسيكون التطرف على المستوى الفلسطيني هو العنوان. لا خيار أمام الفلسطينيين للرد على الإرهاب الإسرائيلي إلا بالتصدي له. هذه هي الحقيقة. وإذا كانت إدارة بوش تنعت "حماس " بالإرهاب أيضاً فإن قوة حماس الأساسية لم تتكرّس بسبب حضورها، ولكن بسبب غياب وعدم حضور وفاعلية قيادة كعرفات. وعندما يضعف دور "حماس" سنكون أمام حركات فلسطينية أكثر تشدداً وقوة. هذا هو منطق التاريخ لأن الفلسطينيين أصحاب حق. وبعد أن قدموا عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقّين والملايين من المشردين في أصقاع العالم، فليس أمامهم سوى الاستمرار في النضال لانتزاع مطالبهم. وعندما يتصرف الرئيس الأميركي وإدارته على أساس أن عرفات هو إرهابي فمن هو غير الإرهابي في فلسطين؟! ما هي حقيقة هذا الشعب الفلسطيني؟! وماذا عن عصابات الإرهاب في إسرائيل ومنذ نشأتها وقيامها؟ هل خطيئة شارون فقط أنه توسعي؟ وإذا سلمنا جدلاً بذلك، فما هو التوسع؟! أليس هو بناء المزيد من المستوطنات على أراضٍ فلسطينية واحتلال المزيد من الأراضي؟ أليس هذا هو أساس وجوهر المشكلة في فلسطين؟ أليس الاحتلال هو السبب؟ إذاً شارون واحد من أركان عصابات الاحتلال الذين تسببوا بالكارثة. فلماذا صالحه وعانقه ودعمه ورعاه جورج بوش؟ أو لا يكفي قوله إن عرفات "إرهابي "ليقدم الدعم لشارون ويبرّر له ولجيشه ممارسة إرهاب الدولة المنظم؟ لقد سبق وقلنا إن معيار التغيير في السياسة الأميركية بعد انتخاب ثم استلام الرئيس باراك أوباما، وفي منطقتنا بالتحديد، يقاس بمدى التغيير الذي ستحدثه إدارة الرئيس الجديد في النظرة إلى فلسطين وقضيتها وشعبها وحقوقه. فإذا ما استمرت السياسة على ما هي عليه استراتيجياً أي الإنحياز والدعم الكامل لاسرائيل- وهذا ما أتوقعه - ولو كان تغيير في الشكل أو الأسلوب في مقاربة الأمور، فإن ذلك يعني استمراراً للتوتر والعنف في المنطقة وتوقعاً لحروب جديدة، لأن العقل الإسرائيلي منحرف دائماً في اتجاه القتل والإرهاب، فكيف إذا كان نتنياهو هو رئيس الحكومة الإسرائيلية الموعود؟ غازي العريضي _________________ وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني