واظبت في الآونة الأخيرة على التفكير طويلاً في كتاب "توم بروكو" المعنون: "الجيل الأعظم"، وهو من الكتب الكلاسيكية التي تتحدث عن جيل آبائنا، والتضحيات الهائلة التي قدموها في الحرب العالمية الثانية. وأثناء تفكيري فيما قرأته في الكتاب كان هناك سؤال يؤرقني دوماً: ما هو يا ترى عنوان الكتاب الذي سيكتبه أبناؤنا عنا؟ هل سيكتبون كتاباً عن "الجيل الأكثر طمعا"، أم "الجيل المتواكل"، أم "جيل الرهن العقاري"؟ أم سيكون عنواناً متسائلاً: "كيف تخلص آباؤنا من عواقب إفراطهم من خلال تحميل ديونهم على بطاقاتنا الائتمانية"؟ إن أبناءنا يجب أن يكونوا أكثر راديكالية بكثير مما هم عليه اليوم. أقول هذا، وأنا أدرك السبب الذي لا يجعلهم كذلك: إنهم قلقون للغاية بشأن قدرتهم على الحصول على وظيفة، أو تدبير قيمة قسط الفصل الدراسي التالي. لكننا يجب ألا نأخذ عدم راديكالية أبنائنا وعدم اهتمامهم بما يدور حولهم، كمبرر لنفعل ما نشاء بشأن حزمة الإنقاذ النقدي، فهم من سيدفعون هذه الأموال الهائلة في النهاية. لذلك، أقول إننا أمام مسؤولية ضخمة تلزمنا بالتأكد، ليس فقط من الإنفاق الحكيم لكل "سنت" في حزمة الحوافز المالية المقترحة، وإنما بالعمل أيضاً على بلورة تقنيات جديدة. فنحن لسنا بحاجة إلى إنقاذ صناعات الماضي فحسب، وإنما أيضاً بناء صناعات المستقبل، وبحاجة إلى الترويج لذلك النوع من التفكير الخلاق، والقدرة على المبادرة، وعلى تحمل المخاطر التي تحول التحديات الهائلة إلى فرص لتغيير العالم... فهذا تحديداً هو ما جعل جيل الآباء "عظيماً". وليس من المقبول أبداً أن تذهب تلك الأموال لترقيع أشيائنا القديمة. فكما قال لي "أندي كارسنر"، مساعد وزير الطاقة الأميركي السابق، "تذكر أن هذه الأموال لن تكون محايدة أبداً، فهي إما أن تكون كرات دم بيضاء قادرة على إنقاذنا من المرض، أو كرات دم خبيثة تواصل استنزاف قوتنا". فلنكن محددين بشكل أكبر، عندما يتعلق الأمر بديترويت وصناعة السيارات فيها، وما يتعين علينا عمله تجاه الشركات الثلاث العملاقة في مجال إنتاج السيارات. ليس معنى ذلك أنني أريد رؤية الوظائف وقد ضاعت، لكن إذا ما كان دافعو الضرائب سيزودون ديترويت بما تحتاجه من أموال، فيتوجب في مثل تلك الحالة ألا نعهد بالإنفاق للأشخاص الذين قادوا مؤسساتهم وشركاتهم للخراب. يجب أن نطلب من هؤلاء المديرين أن يقدموا لنا خططاً دقيقة للإنتاج، وجداول زمية توضح كيف سيقومون بتحويل سياراتنا إلى سيارات هجينة. إني أريد من كافة شركات السيارات التحول إلى نظام السيارات الهجينة التي تسير بطاقة الكهرباء، لأنه لا شيء سيؤدي إلى الاقتصاد في استهلاك الوقود، وتقليص الانبعاثات الغازية أفضل من الكهرباء. فالتحول إلى السيارات التي تسير بالطاقة الكهربائية، سيؤدي إلى ازدهار صناعة البطاريات الكبيرة، والتي تعتبر مفتاح التقنية النظيفة القادرة على زيادة قدرتنا التنافسية في نهاية المطاف. ويجب أن ينطبق هذا على خطط باراك أوباما الرامية إلى إيجاد حوافز خضراء في مجال كفاية الطاقة والبنية التحتية. فلا معنى لإنفاق الأموال على البنية التحتية الخضراء، أو على إنقاذ ديترويت، إذا لم يكن ذلك مقروناً بفرض ضريبة على الكربون، تؤدي إلى تغيير سلوكنا الاستهلاكي. سوف يكون هناك بالطبع من يقول لأوباما إن فرض ضريبة على الكربون أو البنزين ليس بالإجراء السليم في هذا الوقت المبكر من ولايته، وأنا أقول إن هذا رأي خاطئ، وأنه إذا ما أراد أحد أن يرى بنفسه ماذا فعل بنا تأجيل الأشياء وإرجاء الأمور، فعليه أن يذهب إلى ديترويت ويرى ما حدث فيها. إذا كان أوباما سيشرف على حزمة حوافز ناجحة للبنية التحتية، فإن هذه الحزمة يجب أن تشمل، ليس ضريبة على الكربون فحسب، وإنما يجب أيضاً أن تتوافر على معايير جديدة سوف تستلزم تدريجياً بناء مرافق ومبان سكنية، ومبان تجارية في الولايات التي تستلم الأموال كي تقوم ببناء منشآت للطاقة تتميز بكفاءة الاستخدام، وهو ما سيخلق قطاعات صناعية جديدة كاملة. يجب ألا نلوك الكلام، وأن نقول صراحة أن رئاسة أوباما ستتشكل، في العديد من نواحيها، بالطريقة التي سينفق بها حزمة الحوافز المالية. وأنا شخصياً واثق من أن الرجل سيدقق في اختيار الأهداف الصحيحة، لكن ما أود أضافته هنا هو أنه إذا لم تكن الوسائل المستخدمة، وأقصد بها مؤشرات الأسعار، والشروط، والمعايير، على نفس الدرجة من الابتكار، والجرأة، والصلابة، التي ستكون عليها أهدافه، فإن كل ذلك سينتهي بنا إلى لاشيء. إن أبناءنا سوف يتذكرون حزمة حوافز أوباما إما على أنها كانت العبء الذي أثقل كاهلهم طيلة حياتهم، أو على أنها كانت أفضل استثمار لحياتهم. دعونا نأمل أن تكون الثاني. ودعوني أقول إني قد غدوت أحب عنوان هذا الكتاب أكثر من ذي قبل. توماس فريدمان كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"