دروس من الهند
بعد مرور أكثر من أسبوعين على العمليات الإرهابية في الهند، نقف اليوم على مفترق طرق حساس يجب أن لا نترك فيه فرصة للإرهابيين المتطرفين لأخذ زمام المبادرة وضرب الأبرياء المسالمين في كل من الجزائر والرياض والقاهرة ولندن وباريس ونيويورك وبغداد وكراتشي ومومبي... فالجميع اليوم مستهدف وليس لدى الإرهابيين تفرقة بين الأديان والدول، فكل محبي السلام والديمقراطية والاعتدال والوسطية مستهدفون.
بعد تفجيرات الهند، ما هي الدروس التي يمكن الاستفادة منها لتنعم البشرية بالمحبة والسلام والاستقرار بدون إرهاب أو حروب دينية؟
الدرس الأول: هو أنه لم يعد هناك مكان آمن في هذا العالم، فالإرهاب يجتاح كل الدول والقارات، الدول المتقدمة والدول المتخلفة والدول الإسلامية وغير الإسلامية، فالناس الأبرياء والمسالمون هم ضحية هذه العمليات.
الدرس الثاني: في السابق كانت العمليات الإرهابية تستهدف العسكريين وتجمعاتهم، لكن عملية مومبي استهدفت الأبرياء من الناس في محطة القطارات، والهدف هو قتل أكبر عدد من الناس القادمين للعمل في المدينة الاقتصادية الأولي في الهند، فالهدف من العملية هو ضرب الاقتصاد الهندي المزدهر، لذلك تعمدوا ضرب أهم الفنادق التي يقطنها رجال الأعمال والسياح الأجانب من المدنيين الأبرياء، لكن ثقة الهنود بديمقراطيتهم واقتصادهم فوتت الفرصة على الإرهابيين، فسوق البورصة لم يغلق وارتفع مؤشر السوق رغم أن العمليات العسكرية لم تنته في حينه.
ثالثاً: التحقيقات لم تنته بعد، لكن كل المؤشرات تدل على أن الإرهابيين في العالم اتخذوا منحى جديداً، وهو أنه نشاطهم أصبح يأتي من مجموعات إرهابية خارجية بدعم جزئي داخلياً.
هذه الحقيقة بدأها الجهاديون العرب... خصوصاً عرب الخليج والجزيرة العربية الذين انخرطوا في العمل الإرهابي في أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك وبعدها العراق، لذلك لا غرابة في انخراط الجهاديين الباكستانيين في عمليات إرهابية خارج باكستان.
الدرس الرابع: هو أن تهميش وإبعاد الأقليات في أي بلد قد يخلق مشاكل مهما كانت طبيعة النظام السياسي، فالحكومة الهندية تعترف بحقيقة أن المسلمين في الهند الذين يبلغ عددهم 140 مليون نسمة وتصل نسبتهم إلى 13% من عدد سكان الهند، لا يزالون مهمشين، فنسبة مشاركتهم في الوظائف الإدارية والتنموية والنخبوية أقل من 4%. على الحكومة الهندية أن تعالج هذا الخلل ولا تسمح للدخلاء بالتدخل في قضايا الهند الداخلية، فأحداث الأيام الماضية وحّدت الشعب الهندي بكل طوائفه... فكل المحاولات لإثارة الأقلية الإسلامية لم تفلح، لشعور الجميع بأن الديمقراطية وتحسين الاقتصاد هو الرد على الإرهابيين، لذلك نجد اليوم السياسيين في الهند جميعهم يدعون إلى التهدئة والوحدة الوطنية بما فيهم حزب المعارضة (بهارتيا جاناتا) الذي دعا قادته للتهدئة لأن الانتخابات القادمة ستجرى في العام المقبل ويحتاج الحزب لدعم جميع الفئات لتحقيق الفوز.
هنالك ظروف مشتركة وبيئية ينمو فيها الإرهاب، وهي بيئة البطالة والإحباط وعملية تسييس الدين، لذلك على كل دول العالم التعاون مع الهند وباكستان لمحاربة الإرهابيين في كل بقاع المعمورة.