طاقة نووية أم قنبلة؟
المؤتمر السنوي للطاقة الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بأبوظبي يعتبر مناسبة مهمة للحديث عن أهم قضايا الطاقة في العالم، وخصوصاً أن حضور هذا المؤتمر يشمل متخصصين وخبراء من مختلف القارات. وفي المؤتمر الرابع عشر الذي أنهى أعماله الأسبوع الماضي تطرق إلى برامج نووية حديثة نسبياً، كالبرنامج النووي الهندي والباكستاني والإيراني والإسرائيلي، كما تطرق إلى برامج مستقبلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
وأول ما ينبغي تسجيله في هذا المقام حقيقة أن الطاقة هي المحرك الأساسي للتنمية، حيث يمكن من خلالها إحداث نقلات نوعية في الهيكل الاقتصادي، مثلما حدث في أوروبا بعد اكتشاف الطاقة البخارية ومن ثم الفحم والنفط والكهرباء، إذ وجهت كل الجهود نحو مضاعفات إنتاج الطاقة الكهربائية الحديثة في ذلك الوقت، مما أدى إلى قيام مجتمعات صناعية متقدمة.
والحال أن العالم سيواجه أزمة طاقة بدأت بوادرها في البروز منذ الآن، فالاحتياطيات الهايدروكربونية التي تعتبر المصدر الأساسي للطاقة في الوقت الحاضر محدودة وعالية التكلفة. ومن هنا جاء البحث عن بدائل، بما فيها الطاقة النووية المثيرة للجدل بين مؤيد ومعارض لاستخداماتها أو بين محتار بين تطوير مصدر رخيص نسبياً للطاقة وبين الابتعاد عن ذلك بسبب محاذير أمنية ومخلفات ضارة.
ومجمل هذه القضايا تم التطرق إليها في هذا المؤتمر الذي لقي تغطية عالمية كبيرة لتطرقه لمواضيع حساسة، كما أن حضور وزير الخارجية البريطاني وتصريحاته وامتناع إيران عن تلبية دعوة الحضور واستغلال المناسبة لطرح وجهة نظرها أضاف إلى المؤتمر أهمية كبيرة في مناقشة قضايا الطاقة الممزوجة بالقضايا السياسية والأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط.
والخلاصة المهمة التي يمكن الخروج بها تكمن في ضرورة تنويع مصادر الطاقة وربطها ببرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والابتعاد عن البرامج النووية العسكرية التي تعتبر مضيعة للثروة والوقت لا يرجى منها أي مردود اقتصادي، وهذا بالذات ما أكد عليه مدير عام المركز في ختام المؤتمر عندما قال: إن المؤتمر جاء ليسهم بنشر العلم حول استخدام الطاقة النووية السلمية بالخليج، مضيفاً أن جلسات المؤتمر أسهمت في بلورة عدة أفكار حول الموضوع".
ويبدو أن أعضاء المنتدى النووي الجدد قد بدأوا في إدراك هذه الحقيقة، فالهند التي بدأ برنامجها النووي سلمياً في منتصف الستينيات تكثف مساعيها الآن للتوسع في استخدامات الطاقة النووية في الطب والزراعة وإنتاج الكهرباء، أما إسرئيل التي أنتجت حتى الآن أكثر من 200 قنبلة نووية، فإنها متورطة في كيفية التصرف في مفاعل ديمونة القديم جداً والمعرض للتسرب النووي المميت في أية لحظة، حيث تطالب فئات واسعة من المجتمع الإسرائيلي بإغلاقه.
إضافة إلى ذلك، فإن أية دولة قامت بإنتاج قنابل نووية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من ستين عاماً وحتى الآن لم تتمكن من استخدام هذا السلاح الفتاك، بما فيها البلدان التي دخلت النادي النووي مؤخراً كالهند وباكستان وإسرائيل، وذلك لسبب بسيط جداً، فمن يستخدم السلاح النووي في ظل موازين القوى الحالي في العالم سيطاله الدمار قبل غيره.
لذلك، فإن التركيز على تنويع مصادر الطاقة بهدف تنفيذ برامج اقتصادية تنموية، هو بالذات ما تسعى إليه دول مجلس التعاون الخليجي، التي يرتفع فيها استهلاك الطاقة الكهربائية بمعدل سنوى يبلغ 7– 10% وهو ما يعني تضاعف الطلب على الطاقة الكهربائية كل عشر سنوات، مما يعد أعلى معدل نمو في الطلب على مصادر الطاقة في العالم.
وبالاستفادة من التجربة الفرنسية التي تعتمد بنسبة 80% على الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، فإنه يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ برامج مماثلة، حيث تبلغ تكلفة إنتاج الكيلووات عن طريق الطاقة النووية ربع تكلفة إنتاجه عن طريق استخدام الديزل أو الغاز الطبيعي. ونظراً لاستكمال الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون في العام القادم 2009 فإنه من المهم أن يكون هناك برنامج خليجي مشترك لإنتاج الطاقة الكهربائية النووية، وذلك لاعتبارات عديدة أولها اقتصادي، فالإنتاج المشترك سيقلل كثيراً من تكاليف الانشاء والإنتاج، فالطاقة الكهربائية كما هو معروف لا يمكن تخزينها. وثانياً لاعتبارات الأمن والسلامة، فإن مثل هذه المحطات يجب إقامتها بعيداً عن المدن والمجمعات السكنية، إذ لا يسمح الامتداد السكاني المتنامي في بعض المدن الخليجية بإقامة مثل هذه المحطات بالقرب من هذه المدن الصغيرة والمكتظة بالسكان.
وبما أن دولة الإمارات بصدد بناء مفاعل نووي لإنتاج الطاقة الكهربائية على أن يبدأ العمل به عام 2015 فإنه يمكن تحويل هذا المشروع إلى مشروع خليجي مشترك تساهم فيه كافة دول المجلس، وذلك إلى جانب تنويع مصادر الطاقة الأخرى النظيفة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي بدأ العمل على تنفيذها في دولة الإمارات، والتي يمكن تحويلها إلى مشاريع خليجية ودمجها بشبكة الربط الكهربائي الخليجي الذي تم تنفيذه مؤخراً.