قليلة هي القضايا التي يُتوقع أن تكون موضوع معارضة قوية وشرسة مثل تلك التي سيثيرها موضوعُ التمويل الفدرالي للبحوث المتعلقة بالخلايا الجذعية. وبالتالي، فإذا لم يتم التعامل مع هذا الموضوع بما يتطلبه من عقلانية وحذر، فإنه يمكن أن يشحن المناوئين المحافظين أكثر ويعرقل رئاسة باراك أوباما. الأكيد أنه ينبغي أن نتقدم إلى الأمام بخصوص هذا الموضوع، ولكن الحذر يظل واجباً وضرورياً. عُلق الدعم الفيدرالي للبحوث المتعلقة بالخلايا الجذعية الجنينية لنحو عقد ونصف العقد، ففي عام 1994، قبلت "المعاهد الصحية الوطنية" جميع توصيات "لجنة بحوث الجنين البشري"، والتي كنتُ شخصياً أحد أعضائها المؤسسين، بخصوص الدعم الفيدرالي لبحوث الخلايا الجذعية الجنينية. ولكن انتخاب كونجرس جمهوري محافظ في تلك السنة حال دون تبني اقتراحاتنا. وفي عام 1996، حظر "تعديل ديكي -ويكر" التمويل الفيدرالي لأي بحث يتعلق بتدمير الأجنة البشرية. وإذا كان الرئيس بوش قد رخص في 2001 البحوث لاستعمال عدد صغير من خطوط الخلايا الجذعية وفق شروط، فإن تأثير هذه المبادرة كان محدوداً، حيث لم يتم توفير سوى 22 خط خلايا وتمويل متواضع. في أواخر العام الماضي، أعلنت فرق منفصلة من الباحثين الأميركيين واليابانيين أنها أنتجت خلايا جذعية وافرة القدرة (pluripotent stem cells)، أي خلايا بإمكانها أن تصبح خلية في أي جسم باستعمال تكنولوجا الإدماج الجيني التي تجعل الخلايا الجسدية تعود إلى وضع جنيني. وقد لقيت هذه التكنولوجيا إشادة الكثيرين، بمن فيهم المحافظون المتدينون، على اعتبار أنها تغني عن الحاجة إلى تدمير الخلايا الجنينية. ومع ذلك، فإن العراقيل أمام البحث الفعلي والعلاجات الممكنة مازالت قائمة، ذلك أن الخلايا الجذعية وافرة القدرة التي يتم إنتاجها عبر هذه التكنولوجيا تميل، على سبيل المثال، إلى أن تصبح خلايا سرطانية، وهو ما يجعلها خطيرة جداً بالنسبة لغرض الزراعة في الجسد البشري. ولذلك، يتفق معظم الباحثين على أنه يتعين علينا أن نحافظ على جميع الطرق مفتوحة، ومن ذلك الطريقة المثبتة علمياً والمتعلقة بإنتاج خطوط خلايا جذعية من الأجنة البشرية. لكن ماذا عسى الرئيس الجديد أن يفعل؟ الجواب: على أوباما أن يقلل من المعارضة عبر اتباع الطريق الذي سار عليه الرئيس بوش في عام 2001. ففي معرض تبريره لسياسته القاضية بتمويل البحوث حول عدد محدود من خطوط الخلايا الجذعية للجنين البشري، قال بوش إن "قرار الحياة والموت" قد اتُّخذ بخصوص الأجنة التي تُستعمل لإنشاء هذه الخطوط. وهذا ينطبق على الآلاف من الأجنة المجمدة والمخزنة في مصحات متخصصة في التخصيب في طول البلاد وعرضها، حيث يوجد أكثر من 500000 جنين تم إنتاجها عبر التخصيب خارج الجسم لمساعدة الأزواج على الإنجاب مخزنة اليوم في هذه المصحات. غير أن نسبة كبيرة من هذه الأجنة لن تستعمل أبداً، إما لأن الأزواج نجحوا في الإنجاب، أو غيروا رأيهم، أو تقدموا كثيراً في السن ولم يعودوا مهتمين. ثم إن الإقبال على تبني هذه الأجنة قليل جداً، وبالتالي فإن معظمها مصيره الإتلاف والتدمير. وعليه، فإن أوباما يستطيع إصدار أمر تنفيذي يقضي بالترخيص لـ"معاهد الصحة الوطنية" لدعوة الأزواج الذين قرروا التخلص من أجنتهم المجمدة للتبرع بها من أجل البحث العلمي، حيث سيتعين على الأزواج في هذه الحالة أن يؤكدوا أنهم لم يعودوا يريدون استعمال تلك الأجنة، وأنهم قرروا تدميرها وإتلافها. إلا أنه بدلاً من تدمير هذه الأجنة عبر الحرق أو مجرد وقف تجميدها، مثلما يحدث اليوم، فإنه يمكن الاستفادة منها في بحوث الخلايا الجذعية. والمعادل الأخلاقي في هذه الحالة هو التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، فموت الجنين في هذه الحالة هو نتيجة حتمية لإنشائه وعدم استعماله فيما بعد لغرض الإنجاب. وإنتاج خلايا جذعية من هذه الأجنة يمكن تحقيقه بسهولة بدون دعم فيدرالي، على أن يتم التبرع بالخلايا الجذعية التي يتم إنتاجها للبحوث الفدرالية. وعلى غرار الرئيس بوش، يستطيع الرئيس أوباما قصر البحوث الفيدرالية على الأجنة التي أُنتجت لغرض الإنجاب وتم التخلي عنها قبل الإعلان عن سياسته في هذا المجال. فهناك أكثر مما يكفي من هذه الأجنة لإنتاج الخطوط التي نحتاجها للبحث، على أن يُحظر، بموجب هذه السياسة، استعمال الأجنة التي تنتَج بنية البحث في الخلايا الجذعية. فهل تزيل هذه المقاربة كل المعارضة التي تواجَه بها البحوث في مجال الخلايا الجذعية الجنينية البشرية؟ ربما لا، ذلك أن الكثير من الأميركيين مازالوا يعارضون تدمير الخلايا البشرية. غير أنه بتأكيده على أن هذه السياسة لا تمثل سوى تمديد لتلك التي بدأها سلفه، وبتشديده على ضرورة الاستعمال النافع للأجنة التي كانت ستدمَّر في جميع الأحوال، يمكن للرئيس أوباما أن ينجح في التقليل من أقوى وأشرس معارضة إلى مستوى معقول. -------- رونالد إم. جرين رئيس "المجلس الاستشاري الأخلاقي لتكنولوجيا الخلايا المتقدمة" في الولايات المتحدة -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"