بمناسبة أعياد الشكر، أجد نفسي شاكراً للكثير من الأشياء من حولي، برغم الأزمة المالية، على رأسها حقيقة أن الرئيس الأميركي المقبل والقائد الأعلى للجيش، أحد خبراء القانون الدستوري وأستاذاً سابقاً للقانون. وطالما نحن نتحدث هنا عن القانون، فإنه يلزم القول أولاً إن دولتنا هي دولة سيادة القانون في الأساس. وقد كانت كذلك إلى أن جاءت إدارة بوش لتفعل بالقانون ما وصفه المؤرخ الراحل آرثر شليزنجر بقوله: المناهضة المستمرة المنظمة والأقوى من نوعها لسيادة القانون في التاريخ الأميركي الحديث. ولسنا بحاجة هنا للخوض في تفاصيل انحرافات إدارة بوش القانونية، سواء تمثلت في الجانب المظلم والخفي من ممارسات ديك تشيني نائب الرئيس، أم في تبريرها ودفاعها عما أسمته "أساليب التحقيق المتقدمة" مع سجناء الحرب على الإرهاب، أم في تلك المعتقلات السرية المنتشرة خارج الولايات المتحدة الأميركية، والتي بررتها تلك الإدارة في إطار "نهجها الجديد" في التعامل مع سجناء حربها، في تجاهل سافر لمعاهدة جنيف الخاصة بالتعامل مع أسرى الحرب. ولسنا بحاجة إلى "تحلية اللسان" طالما أن الحقائق وحدها قادرة على الإفصاح عن كل شيء. فخلال الشهر الجاري، أي بعد ما يقارب سبع سنوات من بدء استقدام معتقلي الحرب إلى سجن جوانتانامو الكوبي، اعتباراً من 11 يناير 2002... عقدت جلسة استماع للبيِّنات الحكومية المقدمة ضد من يسمون "الأعداء المقاتلون غير الشرعيين" أمام لجنة عسكرية عقدت في قاعدة البحرية الأميركية في كوبا. ويلزم التأكيد على أن هذه هي الجلسة الأولى التي يبدأ النظر خلالها في إحدى قضايا سجناء الحرب، وأن هذه الجلسة لم تعقد بعدَ كل المدة المشار إليها، إلا على إثر معارك قانونية طويلة كان هدفها الوصول إلى هذه النقطة. ولم تطل هذه المعارك إلا بسبب عناد الإدارة وتمسكها بمنع تقديم سجناء الحرب، سواء كانوا في جوانتانامو أم في غيره من السجون الأخرى، أمام أي من المحاكم المدنية. يذكر أن القاضي ريتشارد ليون، وهو قاضي محكمة واشنطن الفيدرالية، كان قد حكم بعدم شرعية اعتقال خمسة سجناء جزائريين في سجن جوانتانامو وأمر بإطلاق سراحهم. وورد في نص حكمه: "أن ينتظر هؤلاء السجناء النظام العدلي الأميركي لمدة سبع سنوات كاملة، حتى يوافيهم بالإجابة عن سؤال يهم حياتهم ومصيرهم الشخصي إلى كل هذا الحد، فهو أمر غريب ولا يمكن فهمه في رأيي". ليس ذلك فحسب، بل إن 23 فحسب من جملة السجناء البالغ عددهم 770 الذين تم اعتقالهم في أماكن ودول مختلفة وجيء بهم إلى سجن جوانتانامو، هم الذين وجهت إليهم اتهامات قانونية بارتكاب جرائم محددة، أما الغالبية العظمى من المعتقلين، فأمضت كل هذه السنوات رهن الاعتقال التحفظي غير المشروع، دون أن توجه إليهم أي اتهامات. يضاف إلى ذلك أن نحو 500 معتقل في ذلك السجن، عانوا ويلات ما يسمى "أساليب التحقيق المتقدمة"، وهي تسمية مضللة بديلة للتعذيب. ولم يحصل أي من هؤلاء المفرج عنهم على أدنى تعويض عن السنوات الطويلة التي أمضوها في السجن، وعن فداحة الانتهاكات التي تعرضت لها كرامتهم وحقوقهم الإنسانية، بل لم يقدم لأي منهم حتى مجرد اعتذار مهذب عما حدث له! أما اللغة الرسمية المستخدمة في مخاطبة المعتقلين، بين ما عثر عليه من سجلات رسمية عنهم، فهي كما يلي: "لقد تولى مجلس إداري مراجعة المعلومات الخاصة بك وذلك بتاريخ 2 ديسمبر 2005، وقرر مسؤول في واشنطن بشأن ما سيحدث لك: سوف يتم إرسالك إلى أفغانستان في أقرب وقت ممكن". يلاحظ أن هذه الوثيقة الرسمية المحفوظة في سجلات الحكومة الأميركية تحمل تاريخ 7 أكتوبر 2007. ومن يقرأ هذه العبارات سيخال أنه يقرأ وثيقة تعود إلى أحد النظم الشمولية التي عرفها العالم جيداً. فهل من إساءة أشد ضرراً بسمعة أميركا وسيادة القانون فيها من هذه؟ إن على أوباما أن يعيد سيادة القانون إلى بلادنا، وأن يصحح هذه الانحرافات الخطيرة عن مسار القانون الدولي، بكل ما يتطلبه ذلك من إجراءات، بما فيها تعويض معتقلي الحرب ممن لم تثبت إدانتهم في جرائم محددة ارتكبوها. روجر كوهين كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"