الفريضة الغائبة عند المفكر المرحوم د. فرج فودة، هي التفكير. والفريضة الغائبة عند "الجهاديين"، هي "الجهاد"، واليوم لدينا فريضة غائبة جديدة بعد أن انتهت صلاحية الحديث عن الفريضتين السابقتين، ألا وهي فريضة الحوار. هذه هي الفريضة الغائبة اليوم عن المجتمعات العربية، والتي يذهب البعض بها إلى الآخر للحوار معه. برغم أن الله سبحانه وتعالى قد تحاور مع إبليس قبل طرده من الجنة، إلا أن العرب والمسلمين أبعد ما يكونون عن الحوار، هذا إن لم يزدادوا اليوم بعداً عما قبل. والسؤال البسيط: لماذا لا نتحاور؟ إجابته بسيطة أيضاً، لأن الحوار ليس من إرثنا الثقافي. وبتبني المسلمين السياق الضيق لمفهوم "الآخر" وحصره في غير المسلم، ضاقت حلقة الحوار بين المسلم وغير المسلم، ثم جاءت آراء الفقهاء التي ميزت بين المسلمين أنفسهم بالحديث عن الفرقة الناجية. وكأن كل هذا الهم لا يكفي، فأصبح أبناء الدين الواحد أحزاباً وفرقاً دينية تتصارع فيما بينها في السر والعلن، حتى أخذ يكفّر بعضها بعضاً. ثم بعد كل هذا التضييق نتحدث عن أهمية الحوار بين الأديان. برغم كل ما يدعيه الفقهاء أو رجال الدين عن التسامح وتشجيعهم للحوار مع أصحاب الديانات الأخرى، إلا أنهم ليسوا كذلك ولا بتلك الوداعة على أرض الواقع. هل نستشهد بالكتب والخطابات المتطرفة لبعض فقهاء الشيعة والسنة ضد بعضهم بعضاً؟ هل نحن بحاجة لاستعراض مشاكل السنة في إيران في مقابل أوضاع الشيعة في بعض الدول الخليجية؟ بناء على ما سبق، وبما تدل عليه الشواهد القاطعة، فإن الحل الوحيد لكل هذه الصراعات والإشكالات الفكرية يتمثل في تبني العلمانية، وهذا أمر مستحيل في عالمنا العربي. ولذلك نقول بكل ثقة ويقين إن الصراع سيبقى قوياً بين المسلمين أنفسهم، قبل أن يكون بين المسلمين وغيرهم. ولكن مع ذلك يمكننا أن نبدأ بالتحرك خطوة أولى نحو تشجيع فكرة الحوار من خلال التعليم الرسمي أو الأهلي. لقد انتهى زمن الكبار الذين لا يمكن تعليمهم فضيلة الحوار لأن الأمور تتجه إلى المزيد من التردي. ولا يبقى أمل، إن كان ثمة أمل سوى بتعليم الصغار فضيلة الحوار، وهذا بدوره لا يمكن أن يتحقق إلا باستخدام التفكير الحر منهجاً علمياً في التعليم. إذا استمر الصراع الطائفي والديني في مجتمعاتنا العربية، فإن الدولة ستنتهي، وستتفتت المجتمعات إلى شراذم بشرية لا يجمعها جامع، ولا يربطها رابط... فهل هذا ما نريده لأبنائنا وأحفادنا؟