طريق التعايش والحوار
تابعت في الأسابيع الماضية ندوة الحوار المسيحي الإسلامي التي انعقدت في الفاتيكان بين يومي 4 و6 نوفمبر الجاري، تلبية للنداء من أجل الحوار الذي وجهه إلى المسيحيين 138 من علماء الدين والمفكرين المسلمين من أبوظبي، فيما عرف بمبادرة "كلمة سواء" التي انطلقت في شهر أكتوبر 2007. وتابعت أيضاً فعاليات المؤتمر العالمي لحوار الأديان الذي عقد في الأمم المتحدة بدعم ورعاية من المملكة العربية السعودية، وحضره قادة دول وممثلو مختلف الأديان، بهدف تشجيع الحوار والتفاهم والتسامح والتقارب بين شعوب العالم. وما يميز هذه الخطوات المهمة التي نقلت الحوار من الغرف المغلقة إلى الساحة العالمية الواسعة، أنها بدعوة ودعم ورعاية إسلامية من منطلق أن الإسلام دون حوار وتسامح وتقارب، وأن الجانب الإسلامي يؤمن إيماناً كاملاً بضرورة إيجاد صورة من التعايش والتقارب بين البشر والأديان. وهي رد بليغ على أصحاب النفوس المريضة والحاقدة وأصحاب النظرة الضيقة الذين يتهمون الإسلام بالتطرف والإرهاب، وأنه يضيق عن التقارب والتعايش مع الآخر.
إن مثل هذه الحوارات إذا ما أحسن استغلالها وأخذت صورتها الصحيحة، قد تلعب دوراً مؤثراً في تغيير وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة حول الإسلام والمسلمين، شريطة أن نسعى لفهم ما عند الطرف الغربي بصورة صحيحة، وأن تكون جميع الأطراف المتحاورة حريصة على الارتقاء بمستوى الحوار إلى المعنى الذي عقد من أجله، وألا يكون هناك نوع من سوء الفهم أو التعالي. فمصداقية مثل هذه الحوارات تتجلى في مضمونها والأبعاد التي تنطلق منها.
حوارنا مع الفاتيكان ليس جديداً، فقد مضى عليه حتى الآن أكثر من 40 سنة ولا زال يعاني بعض الإشكاليات، أهمها إصرار الطرف المسيحي، وبالأخص الفاتيكان، على دفع التبشيري بين المسلمين، أي عملية التنصير الجارية في بقاع عديدة من العالم الإسلامي. فالكاردينال نارسيسو بيروني، وزير خارجية الفاتيكان، كان واضحاً عندما قال في مقال نشرته مجلة "30 يوماً" الإيطالية الكاثوليكية الشهرية: "إن الكنيسة الكاثوليكية لا تستطيع التخلى عن الحق في التبشير بالإنجيل بين المسلمين". وكان الأساقفة الكاثوليك واضحين أيضاً خلال اجتماع عقدوه في الفاتيكان في شهر أكتوبر الماضي، فيما يخص نشر الإنجيل في السودان لاسيما إقليم "دارفور". وحسب الموقع الإلكتروني لإذاعة الفاتيكان فقد خلص الأساقفة إلى أن "ما يعيق انتشار المسيحية في السودان كثرة اللغات المحلية القبلية، وتمسك الكثيرين بتقاليدهم، لذا يجب على المنظمات ذات الإمكانيات المالية الضخمة، ترجمة الإنجليل إلى اللغات المحلية حتى تدخل إلى عقولهم وقلوبهم".
وإضافة إلى إرسال المال والبعثات والإرساليات والإغاثات لدعم الحركة التبشيرية في بقاع العالم الإسلامي، هناك أيضاً إشكالية الضغينة على الإسلام والمسلمين لدى البعض في الغرب ضد الإسلام والمسلمين والتي ترتكز على فهم واضح لروح الإسلام وحقيقته والمشاعر المعادية للإسلام في الإعلام الغربي والمستمرة حتى الآن، والنظريات العدائية التي يطرحها بعض مفكري الغرب المسيحي ضد الإسلام، مثل صدام الحضارات، والتي لا تخدم الحوار بين الطرفين، وعدم وجود قانون لتجريم المساس بالأديان لكبح المتطرفين عن المس بالإسلام.
إن مستقبل الحوار الإسلامي المسيحي، يعتمد في نجاحه على إزالة مثل هذه الإشكاليات والعقبات، ومحاولة الفهم الصحيح وتقريب وجهات نظر الطرفين، لتوسيع مجالات الفهم الفكري لكلا الطرفين، ولجعل الحوار أكثر وضوحاً وأكثر صراحة وخصوبة.
ويجب ونحن نتحرك في هذا الطريق، أن ننتبه إلى أن الإسلام كدين، له مقوماته الجوهرية وخصائصه الذاتية التي لا يجوز المساس بها أو إغفالها، إرضاءً لأي طرف أو بحثاً عن نجاح سريع. وبما أن الحوار أصبح من أساسيات التقارب والتعايش مع الآخر، فنحن مطالبون بإدراج مادة دراسية في مناهجنا التعليمية حول "تقنية الحوار"، وبأن تكون لدينا مراكز علمية متخصصة في "صناعة علم الحوار" يتخرج منها الطالب وهو قادر على إجادة "فن الحوار" مع الآخر، فذلك مما يخدم التعايش والتقارب والسلام العالمي بين شعوب الأرض.