تأييد متسرع للخطاب الإيراني
صادف مطلع هذا الشهر (2 نوفمبر) الذكرى السابعة والثلاثون لاحتلال إيران لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، وللقسم الشمالي من جزيرة أبو موسى. والواقع أنّه إذا سلمنا أنّ كثيراً من المثقفين والسياسيين العرب لم يعطوا قضية الجزر حقها من البحث والاهتمام، فإنّ الأغرب مبادرة البعض لتبني الخطاب الإيراني دون تمحيص. ومن ذلك ما نقلته صحف قطرية، مؤخراً، عن موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" واستغرابه مما "يثار من قضايا ضد إيران، ضارباً المثال بقضية الجزر التي حصلت في عهد الشاه، ولم تثر في عهده بل أثيرت في عهد الإدارة الحالية". ثم عاد مصدر مقرب من أبو مرزوق وقال لموقع "العربية. نت" إنّ ما قاله أبو مرزوق ليس أنّ قضية الجرز "لم تثر إلا الآن، وما قاله إنها لم تثر بهذه القوة والحساسية أيام حكم الشاه"، ودعا أبو مرزوق لاحقاً، إلى أن "تحلّ قضية «الجزر»، حتى لا تبقى هناك أيّ عقبة تقف في وجه إقامة علاقات عربية- إيرانية صحية وإيجابية".
وتعتبر تصريحات أبو مرزوق مجرد نموذج لفهم خاطئ ومقولات يرددها البعض حول هذه القضية. فبداية لابد من الإشارة إلى أنّه ليس صحيحاً أنّ قضية الجزر "لم تثر بهذه القوة أيام الشاه". فقد خرجت مظاهرات غاضبة في الإمارات عامي 1971 و1972 بسبب هذا الاحتلال وظهرت مطالبات في دول عربية وفي مجلس جامعة الدول العربية، بقطع العلاقات مع إيران، ووصف الرئيس السوري حافظ الأسد الاحتلال الإيراني للجزر بأنّه "مؤامرة استعمارية بين إيران وبريطانيا". وفي اليوم الأول لقيام اتحاد دولة الإمارات، يوم 2 ديسمبر تم إصدار بيان رسمي يندد بإقدام إيران "على احتلال جزء من الأمة العربية"، وقال المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: "إننا ننتظر دعماً عمليّاً من الدول العربية لمساعدتنا في استعادة حقوقنا".
واستمرت الإمارات في إثارة قضية الجزر، (زمن الشاه) بما في ذلك إثارتها أثناء زيارات لمسؤولين إماراتيين إلى إيران، خصوصاً، عامي 1975 و1978. وفي بداية "الثورة الإسلامية" في إيران كان هناك ترقب لتغير الموقف الإيراني، ولكن الآمال تبددت، وسرعان ما أصبح موقف طهران المتكرر حتى اليوم هو ما عبّر عنه وزير خارجيتها صادق قطب زاده في إبريل 1980، عندما قال إنّ العرب لا يستطيعون المطالبة بالجزر. بل واصلت "الإدارة الجديدة" في إيران التصعيد، فاحتلت عام 1987 الجزء التابع للشارقة في جزيرة أبو موسى، وذلك لفترة وجيزة قبل انسحابها، وفي أكثر من مناسبة منعت إيران مواطنين إماراتيين من دخول هذا الجزء، وتقوم باستمرار بخرق الاتفاق المبرم مع الشارقة بشأن الجزيرة عام 1971، وهو اتفاق جاء أصلاً بضغط إيراني- بريطاني هائل. ولجأت الإمارات إلى المفاوضات الثنائية مع إيران فرفضت طهران في لقاءين أجريا عامي 1992 و1995 أي نقاش في قضية طنب الكبرى وطنب الصغرى، واستمرت بسياساتها التصعيدية، وبرفض التحكيم الدولي، بينما تستمر الإمارات بالتعامل مع القضية بروية ودبلوماسية عالية ولكن دون تفريط. تماماً كما أنّه لا مصلحة لأي دولة عربية في التصعيد مع إيران، دون أن يعني هذا قبول سياساتها.
ما يتجاهله سياسيون وكُتّاب عرب أيضاً هو التعنت الإيراني برفض أي مناقشة من أي نوع للحق العربي في الجزر، والتهجم الفظ من قبل الإعلام الإيراني الرسمي على كل من يثير هذه القضية، ويكتفي هؤلاء السياسيون برؤية إيران من خلالها خطابها الصاخب إزاء إسرائيل، دون تقييم المعنى الفعلي لهذا الخطاب والتوظيف السياسي له. كذلك فإنّ القول إنّ قضية الجزر هي الوحيدة العالقة مع إيران، مقولة غير دقيقة، فالبرنامج النووي الإيراني يثير مخاوف جيران إيران العرب، وسياسات التدخل باسم مرجعية "ولاية الفقيه" في العراق ولبنان ودول أخرى أمر يثير القلق كذلك.