يمثل مشروع قانون التغير المناخي، والذي سيبدأ أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مناقشته الأسبوع القادم، إشارة في غاية الأهمية لنية المشرعين في ذلك البلد إزاء موضوع بتلك الأهمية. صحيح أن المداولات قد تؤدي إلى تغيير هذا التشريع، إلا أن ما أود قوله إن هذا المشروع سليم من حيث الجوهر، إذ يمكن التعبير عنه على النحو التالي: إذا لم تقم الولايات المتحدة بتقليص جذري في كمية انبعاثاتها من غازات البيوت الزجاجية، بالتعاون مع كبريات الدول المسؤولة عن هذه الانبعاثات، فإن الضرر الذي سيلحق بالمناخ سيكون ضرراً عويصاً يصعب علاجه. ليس من المتوقع بالطبع تحقيق تخفيض جذري في تلك الانبعاثات من خلال العمل الطوعي وحده، لذلك كان التركيز في مشروع القانون المذكور على إجراءات إلزامية يتضمنها المشروع المعروف باسم "مشروع الحد الأعلى والمبادلات" والذي يفترض أن يؤدي إلى تخفيض 70 في المئة من الانبعاثات التي تم قياسها عام 2005 في موعد أقصاه عام 2050. خلال الأعوام القليلة الماضية، تغير مسار المناقشات الدائرة بشأن موضوع التغير المناخي تغيراً كبيراً للغاية. فالإجماع العالمي على أن الأنشطة الإنسانية، تتسبب حالياً في ارتفاع درجة حرارة الأرض، قد أصبح إجماعاً كاسحاً. ذلك أن تأثير التغير المناخي المستمر بلا توقف، هو أمر صادم للغاية. فكما يتبين من تقرير السير "نيكولاس ستيرن" الذي يمثل الدراسة المرجعية الأولى للآليات الاقتصادية المتعلقة بالتغير المناخي، والتي قام بها في إطار تكليف من الحكومة البريطانية عام 2006، فإن تجاهل التغير المناخي يعتبر خياراً أخطر بكثير من خيار العمل من أجل التخفيف من حدته. فمع تجاوز سعر النفط لمستوى 130 دولاراً للبرميل، فإن هناك من الأسباب ما يدعو للمبادرة بالعمل في هذا المجال، بصرف النظر عن كافة الاعتبارات الأخرى. علاوة على ذلك، فإن تقليص اعتمادنا على الكربون، يصب في صلب احتياجاتنا الأمنية الأساسية في المستقبل. ولا أخفي عليكم في هذا السياق أنني -شخصياً- كثيراً ما نظرت إلى سياسة الطاقة باعتبارها موضوعاً ذا قيمة أدنى مقارنة بموضوع الدفاع فيما يتعلق بدرجة أهمية أي منهما لطريقتنا في الحياة. هناك الكثير من التطورات التي تحدث خارج الولايات المتحدة بالطبع. فأوروبا على سبيل المثال، هي التي قدمت "نظام مبادلة الانبعاثات" الذي يحقق في الوقت الراهن نتائج ملموسة في تخفيض نسبة الانبعاثات الغازية، كما يرسل في ذات الوقت مؤشرات تعتمد على مقاييس واقعية إلى الشركات في مختلف أرجاء القارة. وفي هذا الإطار، أعلنت اليابان أنها على استعداد للقبول بهدف ملزم فيما يتعلق بالانبعاثات الغازية في الجو. أما الصين فقد وضعت بالفعل أهدافاً جديدة تتعلق بكثافة استخدام الطاقة، في حين ستكشف الهند النقاب عن أول خطة قومية للعمل في مجال التغير المناخي خلال أسابيع قليلة من الآن. يضاف إلى ذلك، أن مجموعة الدول الثماني الكبرى سوف تعطي سياسة تخفيض نسبة الانبعاثات الغازية أولوية متقدمة على أجندتها خلال الاجتماع الذي تعقده في شهر يوليو القادم. في نفس الوقت يخطط الرئيس جورج بوش لعقد اجتماع قمة بشأن اقتصادات الطاقة. الشيء الواضح هو أن العديد من الدول والشركات قد بدأت تدرك أن المبادرة بالعمل من أجل تخفيض نسبة الانبعاثات الغازية، التي تعطل نمو اقتصادها، يمكن أن تزيد من إنتاجيتها وتمنحها ميزة تنافسية إضافية. وهذا التقدم لا يقتصر على الدول الخارجية بل يمتد إلى الداخل الأميركي ذاته حيث تقوم الكثير من حكومات الولايات في الوقت الراهن بإعداد خطط عمل للتغير المناخي، كما تعمل الكثير من مدنها أيضاً في نفس هذا الاتجاه. هناك على الرغم من كل ذلك حقيقة سياسية تهيمن على كل التقدم الذي تحقق في هذا المجال، وهي أنه لن يكون ثمة عمل ذو شأن بصدد التغير المناخي، ما لم يتم التوصل إلى صفقة عالمية. وكي تتحقق هذه الصفقة، فإن الأمر يستلزم من الولايات المتحدة أن تقود الطريق كي نتأكد نحن جميعاً من أن لدينا اتفاقية فعالة تلتزم بها جميع الأطراف بما فيها الولايات المتحدة وكذلك الصين والهند. إن العلم يؤكد أن العالم يجب أن ينتقل إلى الاقتصادات المنخفضة الكربون، ولاشك أن أميركا هي الدولة الأكثر قدرة على استخدام تقنيتها المتقدمة، وروح المبادرات التجارية المتجذرة فيها، لقيادة هذا التوجه، ودفعه قدماً للأمام. وهذا تحديداً هو السبب في أهمية التشريع الذي اقترحه كل من السيناتور "جو ليبرمان" والسيناتورة "باربرا بوكس" والسيناتور "جون وارنر"، والذي ينص على أن أميركا سوف تعمل لصالح المناخ، وهو ما سيتيح لها الفرصة كي تقف وتقول للآخرين: "يجب عليكم أيضاً أن تعملوا". أما منظومة الأمم المتحدة فقد قدمت الصيغة التالية: "يجب أن تكون هناك التزامات مشتركة -وإن كانت متفاوتة- للدول النامية والمتقدمة. إن هذا في حد ذاته يمثل طموحاً عظيماً، لكن ما الذي يعنيه هذا الطموح؟ إجابة هذا السؤال تمثل لُبَّ المشروع الذي أطلقته مؤخراً والمسمى مشروع "مبادرة كسر الجمود المناخي" الذي يهدف إلى الترويج لاتفاقية جديدة عن التغير المناخي، والذي سيقدم تقريره الأول في نهاية شهر يونيو القادم. والصفقة الدولية غير ممكنة بدون التزام أميركي، وهو ما يدفعني للقول إن اللحظة الحالية هي اللحظة المناسبة التي يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل فيها على إظهار قدراتها الفعالة على القيادة. فإذا ما التزمت بنسبة تخفيض الانبعاثات الغازية البالغة خمسين في المئة من الانبعاثات الحالية، بحلول منتصف القرن، وأيضاً بالتشريع الذي يفوض بالعمل في هذا الإطار، فإنها ستحول بلا شك شكل التوقعات المتعلقة بتحقيق تغير جذري، وهو ما سيسمح لها بصياغة شكل الحوار، بل ما هو أهم، أي شكل الحل أيضاً. وكلي أمل أن يتحقق ذلك. توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"