لم يكن في نيتي أن أترك القضايا والموضوعات المصيرية المهموم بها كل عربي ومسلم وطني؛ وأنشغل بقضية فرعية، لولا احترامي لعقل القارئ المهتم بمصداقية كاتبه، والذي ظل لما يقارب ثماني سنوات يتابع كتاباتي لنحو 450 مقالاً غطت أكثر من 390 موضوعاً مختلفاً، تجاوز بعضها الخطوط الحمراء في مكاشفة القارئ بشفافية كاملة لما أدركته من مخاطر وتهديدات تؤثر في أمننا القومي وتحاول اختطاف العقل العربي. وكان لمعظم هذه المقالات ردود أفعال محلية وإقليمية ودولية متنوعة، بعضها ساخط وبعضها مؤيد أو ناقد. وفيما ندر كانت هناك بعض التعليقات التي تحمل من التهم ما يشيب له الوليد في بطن أمه، إلا أن أحداً لم يشكك في مصداقية ما كتبت، والتي كانت رصيدي الدائم في الحفاظ على مقدار الثقة بيني وبين القارئ، لذلك ظللت على عهدي بالكتابة وتفاعلي المستمر مع القراء انطلاقاً من مبدأ ثابت ارتضيته لنفسي وهو الالتزام بالموضوعية والعلمية في التناول، وعدم الاندفاع وراء الانفعال أو الغضب مع تجنب المهاترات والانجرار إلى مستوى لا أخلاقي في النقاش، لأن الهدف في النهاية هو مصلحة الرأي العام وليس للأمور الشخصية أي تأثير. ولكني اليوم أجد نفسي مضطراً لمواجهة اتهامات تريد أن تنال من مصداقيتي، لا لسبب واضح ومحدد سوى أنني تصديت للدفاع عن الإسلام وحامل أمانته الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. ربما لم يتحمل البعض أن "نتجاسر" ونقف في مواجهة المؤامرة المحكمة على الإسلام والمسلمين، ونتصدى للمسيئين ونفضح مواقفهم وأهدافهم ورؤاهم، ولم نفضل أن نقف مثله في طابور المهمشين والصامتين أو الشامتين أوالمشككين والمتشككين أو خُدَّام "ماما أميركا" من الصهيونيين والمحافظين والمتطرفين. لقد كانت كتاباتي، ولا زالت، نابعة من قناعاتي بأن الكاتب مرآة الرأي العام، وإيماني الكامل بأن الشفافية والمصداقية هما عماد العلاقة بين الكاتب وقرائه، لذلك ترفعت دائماً عن الخوض في جدل بيزنطي لا طائل من ورائه سوى ضياع وقت القارئ، ولم أكن يوماً طامعاً في جاه أو منصب، بل حملت قلمي سلاحاً للدفاع عن حقوق ومصالح الشعوب العربية المستضعفة، والقضايا المصيرية، ومحاولة صياغة رأي عام يتسم بالواقعية والاستنارة، ومدافعاً عن مبدأ، ومحاولاً استشراف حقيقة الأحداث الجارية، لذلك لم يكن قلمي غشاشاً أو منافقاً، ولن يكون، ولم يقف سوى في وجه المتسلقين والمتحذلقين والمتنطعين والمتسكعين أرباب "طق الحنك" وإطلاق التهم جزافاً على الأقلام الشريفة الحرة. ولكن في هذا الزمن الذي ندرت فيه الكلمة الصادقة، والرأي الحر المستنير، أصبحت التعليقات البذيئة والتهم الجزافية مهنة من لا مهنة له، فكل من يريد أن يستعرض جهله يتطوع لسب الآخرين ويشكك في مبادئ وأخلاقيات الشرفاء من الكتاب والباحثين وأصحاب الرأي، تطبيقاً للمقولة الخالدة: "لا تُرمى بالأحجار إلا الأشجار المثمرة". لقد ضاعت قيمة الكلمة المكتوبة في ظل كثرة السبِّ وتبادل الاتهامات والقذف بالباطل، وترهيب الكتّاب، تارة من جانب أصحاب التهم الباطلة وتارة أخرى من محترفي التطرف والإرهاب، رغم أن النوعين قد باعا أنفسهما لشيطان الهوى بحثاً عن الشهرة والسطوة. وإذا كانت المواقف الصادقة من القضايا العربية والإسلامية، وقول الحق الموجع في وجه الحملة الغربية الظالمة ضد الإسلام والمسلمين، باتت تسمى "غشاً"، فأهلاً بمثل هذا الغش، أما أن يراد بالحق باطلٌ فإن هذا هو الغش بعينه والتدليس على حقيقته، وأصحابه أول من يعرفون ذلك دون مواربة أو تردد. إن أعداء النجاح المتربصين عند كل زاوية، والمختبئين وراء كل باب، وناكري الفضل الذين يأكلون على كل الموائد ثم يلعنون أصحابها في الظلام، لا يستطيعون أن يروا ضوء الشمس البازغ من كلمة الحق، ولا يستسيغون النجاح لغيرهم، ولا يقبلون أن يتعرض أولياء نعمتهم للنقد، وتأبى قلوبهم الانكسار، فأصبح الحقد والحسد أحجاراً يقذفون بها الأشجار المثمرة، ولكن هذه الأشجار تعودَّت أن تلقي بأحسن ثمارها كلما أصابها حجر. إن الغش لم يكن يوماً من سمات ما نكتب، ولن يكون، بل يعرفه خفافيش الظلام الذين احتموا من جهلهم بسبابهم، وأطلقوا التهم جزافاً هرباً من ضعفهم، وانغلقوا على ذاتهم خشية انكشاف فقر معرفتهم وضعف حجتهم. لقد شهد التاريخ العربي والإسلامي كبوات كثيرة ونكسات أكثر؛ من حروب صليبية واستعمار واحتلال أراض واغتصاب أوطان ومصادرة حريات واستيلاء على ثروات وإساءة إلى الدين الإسلامي، لكن كان هناك دائماً المناضلون والخونة، الوطنيون والجواسيس، الصادقون والكاذبون، الوطنيون والانتهازيون، فهل آن الأوان لنتواجه بالحجة والدليل، ونكف عن التشكيك في مصداقية الشرفاء والمخلصين؟ من المؤكد أن طارق سيف لم يكن الأول ولن يكون الأخير في مسلسل التعرض للتطاول والاتهامات الظالمة، ولكن رسولنا الكريم يقول في حديثه: "من غشنا فليس منا". والغش هنا أنواع، فهناك من يغش بضاعته، ومن يغش في تجارته، ومن يغش في حديثه، ومن يغش بقلب الحقائق، إلا أن الأخير هو أكثرهم خبثاً ومكراً، لأنه يخلط الخير بالشر فيزيد من نشر الظلم في المجتمع، ناهيك عن أنه يضع السم في العسل فيموت كثيرون بـ"السكتة الفكرية"، وهنا تبرز الحاجة إلى ضرورة مواجهة هذا النوع من الغش ودحضه وقتله في مهده لحماية القارئ منه. ربما يتساءل القارئ، ومعه كل الحق، عن الهدف من هذا المقال، وردُّنا أن السبب بسيط، فمن حق الكاتب أن يُذكِّر المتربصين به بين الحين والآخر بأنه يعلم ما يكنونه في أنفسهم من حقد، وأنه مستعد دائماً للدفاع عن مواقفه النابعة من إيمانه الكامل بأن الصحافة تسعى لصياغة الرأي العام تجاه قضايا الأمن القومي بمفهومها الشامل، وإذا كان أحد الأحجار الذي حاول النيل من بعض ثمارنا قد رُدَّ إلى صاحبه، بعد أن ضاع هباءً منثوراً، فإن هذا لا يعني أن نترك مطلِق الحجر يفر بفعلته دون حساب. وإذا كنا نرحب بالنقد البناء والنقاش الموضوعي الهادف ونفتح صدورنا لتلقي الطعنات ثمناً لصراحتنا وشفافيتنا، فإن هذا لا يعني أبداً قبول أي اتهام أو تجاوز يشكك في مصداقية كاتب ظل متمسكاً بمبادئه وقيمه وأمانته العلمية في زمن تراجع فيه كثيرون عن قول كلمة الحق. وإذا كان البعض يستغل الغش والكلام الفارغ لتوجيه التهم الباطلة دون دليل أو بينة، فإننا نطالبهم بأن يبحثوا عن شيء آخر يستطيعون من خلاله تحقيق ما فشلوا فيه، فسلاح الضعفاء هو الإنكار والتنديد والشجب وتوزيع الاتهامات، وهو حال المتطرفين والإرهابيين الذين لا يملكون سوى التهديد ثم القتل غدراً، فعندما يفتقدون مقارعة الحجة بمثلها يكون القتل أو وأد صاحب الكلمة أسهل طريق. إن علاقة الكاتب بقرائه علاقة رياضية "طردية"، فكلما اقترب من التعبير الصادق عما تجيش به صدورهم وتمسَّك بمصداقيته، ازداد عدد قرائه، والعكس صحيح، لذلك فإن أعداء النجاح يركزون على التشكيك في هذه المصداقية للنيل من الكاتب، متناسين أن تاريخ الكاتب لا يمكن دحضه بأي تشكيك. إنني على استعداد كامل للمواجهة النقدية والنقاش العلمي البنَّاء لمن يريد، لذلك وضعت تحت تصرف القارئ بريدي الإلكتروني حتى يستطيع أن يتواصل معي في ظل حرية كاملة لا يحكمها سوى المنطق والحجة والاحترام. ولو جمع كل كاتب الأحجار التي يتلقاها لكانت هناك أهرامات بالملايين. إن عمر الظلم ساعة ولكن ساعة الحق دائمة. وفي النهاية أود أن أؤكد على أنني أعرف جيداً وبدقة الشخص الذي وجه الاتهام والرد سيكون كتابياً.