على وقْع عودة وتيرة العنف إلى مستويات مقلقة في جنوب ووسط العراق، والمواجهات مع "جيش المهدي" في الجنوب، وحصول عمليات انتحارية لـ"القاعدة" ضد الصحوات في بعقوبة وغيرها من المناطق، ينعقد غداً في الكويت المؤتمر الثالث لوزراء خارجية دول جوار العراق، بعد مؤتمرين عقدا في مايو ونوفمبر الماضيين في شرم الشيخ وإسطنبول. ولاشك أن توقيت وظروف وحجم المشاركة المكثفة في المؤتمر ومكان انعقاده والبيئة الإقليمية بما تمور به من تصعيد لفظي وتحدٍّ مستمر ومتصاعد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، كلها مما يجعله مؤتمراً بالغ الأهمية، وخاصة أنه الأخير الذي يعقد في عهد إدارة الرئيس بوش وبمشاركة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. وإلى جانب أهمية التوقيت تأتي كثافة المشاركة من قبل الولايات المتحدة وإيران ودول الجوار العربية والإقليمية، وإشراك الكويت لشركائها في مجلس التعاون الخليجي لأول مرة ليكونوا على تماس بالشأن العراقي، وللتعرف مباشرة على مطالبات الأميركيين المتصاعدة، التي كررها كل من الرئيس بوش ورايس وغيتس، لدول الجوار، وخاصة الدول العربية السُّنية، بلعب دور أكثر إيجابية، في الشأن العراقي. وطبعاً فإن مثل هذه المطالبات الأميركية الملحة تأتي في أعقاب جلسة استماع الكونجرس لقائد القوات الأميركية في العراق الجنرال بترايوس والسفير الأميركي كروكر، اللذين أكدا أن الوضع في العراق لا يزال خطيراً، وأنه على رغم التحسن الأمني خلال الأشهر الماضية، وانخفاض عدد القتلى الأميركيين والعراقيين والعمليات المعادية، إلا أن الوضع لا يزال هشاً وقابلاً للانتكاس. وهذا ما أثبتته هجمات "القاعدة" والميليشات المتحالفة مع إيران خلال الربع الأول من هذا العام عن طريق التفجيرات وعودة العمليات الانتحارية بشكل ملفت، واندلاع القتال بين قوات الأمن العراقية و"جيش المهدي" في الجنوب ومدينة الصدر، في مؤشر على تفكك للتحالف الشيعي الذي أوصل المالكي إلى منصبه الحالي. وتبدو إيران الآن هي اللاعب الرئيسي في الشأن العراقي. ومن كان يعول على احتمال حصول انفراج أو تقارب بين واشنطن وطهران على هامش المؤتمر، كما حاول المصريون في شرم الشيخ، سيصاب بخيبة أمل، خاصة بعد تصاعد التوصيفات السلبية غير المسبوقة تجاه إيران واستبدال الحديث عن خطر إيران بخطر "القاعدة" كأكبر تهديد لأمن ومستقبل استقرار وديمقراطية العراق. ولذا يُحتمل أن نسمع في المؤتمر رداً إيرانياً ناقداً للدور الأميركي شبيه بما شاهدناه في مؤتمري شرم الشيخ وإسطنبول، حيث تم تبادل اتهامات، واتهم وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الولايات المتحدة الأميركية بالإرهاب وحمَّلها مسؤولية الفوضى. ولا تبدو دول جوار العراق العربية وخاصة المملكة العربية السعودية والكويت راغبة في أن تتدخل في الشأن العراقي المُحتقن، أو في دعم حكومة المالكي قبل أن تصبح أكثر تمثيلاً، وهي التي تفتقد إلى التمثيل الذي يراعي أطياف الكتل السياسية العراقية وسط مقاطعة من كتل سُنية وشيعية واتهامات للحكومة بالطائفية من أطياف عراقية ودول عربية. لا نريد أن نكون الواجهة لتحمل تداعيات حصاد الحرب المُر بعد خمسة أعوام من اندلاعها، أو الانغماس في المستنقع العراقي الخطير في هذا الوقت المتأخر. هذا مع حرصنا واستشعارنا لأهمية أمن واستقرار العراق لمصلحته ولمصلحتنا معاً. كما لا نريد من المؤتمر أن يضع العربة أمام الحصان. المطلوب "عهد عراقي" قبل "العهد الدولي". ورسم خريطة طريق بإجماع دولي واقعي بتلازم المسارين الأمني والسياسي، بعد أن بات واضحاً أنه لا حل عسكرياً للمأزق العراقي. كما لا ينفع الحديث عن فتح سفارات وإرسال سفراء في غياب مسار سياسي واضح يمهد لإرساء المصالحة الوطنية والبناء والإعمار. ولا يجدي الحديث عن رسم خريطة طريق مبكرة ومتفائلة عن الازدهار والاستقرار السياسي والأمني، فيما لا تزال النيران تشتعل في العراق، حيث تشخص الباحثة الأميركية سوزان ميلوني تداعيات ونتائج الحرب الأميركية في العراق: "لقد كرَّست سياسات بوش الكارثية الانقسامات الطائفية، التي قوّت من دور القيادات الإيرانية المتشددة. وبدلاً من أن يتحول العراق إلى منطلق لعهد من الاستقرار والهيمنة الأميركية في الخليج، أصبح العراق الجديد منزلقاً استراتيجياً خطيراً يؤدي إلى نزيف للقدرات العسكرية، وتآكل الهيبة السياسية وتزايد لهيمنة إيران على جيرانها". وفي المجمل فإن المشهد العراقي المتغير تحوَّل إلى حلبة صراع بين أميركا وإيران والقوى المناوئة لواشنطن عموماً في منازلة دامية وتصفية حسابات مفتوحة على أمل إحداث اختراق في ملفات أخرى لا تقل خطورة وتحدياً وخطراً على أمن واستقرار المنطقة ابتداءً من ملف إيران النووي إلى لبنان وفلسطين وأفغانستان.