لا شك أن السيناتور "جون ماكين" يحق له الاعتزاز بنفسه نظير الخدمات الجليلة التي أسداها إلى بلده أثناء حرب فيتنام التي شارك فيها بشرف وأبلى فيها البلاء الحسن. لكن تردده في دعم مقترح قانون جديد مطروح على الكونجرس يسعى إلى تحديث قانون سابق يخول للجنود الأميركيين العائدين من ساحات المعارك الاستفادة من التعليم الجامعي ومزايا اجتماعية أخرى يُلقي ظلالاً من الشك حول مدى التزامه بمساعدة الأجيال الجديدة من المقاتلين الأميركيين. فالقانون الجديد الخاص بالمقاتلين القدامى الذي رعاه مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر كل من السيناتور "جيم ويب"، وزميله في مجلس الشيوخ "تشاك هاجل"، سيعيد الالتزام بتحمل تكاليف التعليم الجامعي بالنسبة للجنود الأميركيين العائدين من مسرح الحرب. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن القانون الأصلي الذي صودق عليه بعد الحرب العالمية الثانية، ساهم في تغيير التاريخ الأميركي عبر توفير إمكانية الالتحاق بالتعليم الجامعي للعائدين من الجنود. فقد اعترف القانون الأصلي الخاص بالمحاربين القدامى ليس فقط بالتضحيات الجسام التي بذلها جنودنا أثناء الحرب العالمية الثانية، بل ساعد أيضاً على إيجاد طبقة وسطى حفزت النمو الاقتصادي في أميركا لعقود لاحقة. ويقدر الخبراء الاقتصاديون أنه من بين كل دولار تم إنفاقه على الجنود بموجب القانون الأصلي تم توليد عوائد تتراوح ما بين 5 و13 دولارا. لكن القانون الأصلي الخاص بمساعدة المحاربين القدامى أضحى متقادماً إلى درجة أن الامتيازات الحالية لا تستطيع تغطية نصف تكاليف الدراسة لجندي يريد متابعة دراسته في إحدى الجامعات التابعة للولاية التي يقطن فيها، لذا فإن الحاجة ماسة اليوم إلى تحديث أحكام هذا القانون لتواكب الواقع الحالي. وفي هذا الإطار يأتي المقترح الجديد لتحديث القانون الأصلي لما بعد أحداث 11 سبتمبر الذي رفع مخصصات الجنود العائدين من الحروب إلى حدود 2.5 إلى 4 مليارات دولار، وهي تكاليف معقولة تمنح الجنود العائدين فرصاً أفضل لاستئناف حياتهم الخاصة. وبوجود 51 راعياً لمشروع القانون الجديد في الكونجرس من بينهم تسعة من الحزب "الجمهوري" تسعى هذه الخطوة إلى تحديث ما اعتبره المؤرخ "ستيفان أمبروز" أفضل تشريع يمرره الكونجرس في التاريخ الأميركي. لكن في ظل المعارضين داخل الكونجرس والمحاولات التي يبذلها البعض لإجهاض مشروع القانون، فإنه يحتاج كي يتحول إلى تشريع ناجز إلى 60 صوتاً داخل الكونجرس. وهنا يأتي دور السيناتور "ماكين"، فهو باعتباره قائداً فعلياً للحزب "الجمهوري" يمكنه أن يشير على باقي أعضاء الحزب بتأييد مشروع القانون وتمريره دون مشاكل. غير أنه بدلاً من ذلك قال "ماكين" إنه لم تتسنَ له قراءة المشروع، وبأنه غير متأكد من دعمه له. والواقع أنه يصعب تصديق أنه لا هو ولا أحد من معاونيه اطلع على مشروع قانون ينطوي على أهمية كبرى بالنسبة لمستقبل الجنود الأميركيين، فضلاً عن أنه مطروح للنقاش حتى قبل أن يبدأ حملته الانتخابية. وفي جميع الأحوال يتعين على السيناتور "ماكين" التحرك الآن وتأييد مشروع القانون في وقت هو في حاجة إلى إثبات مهاراته في قيادة الحزب الذي يترشح باسمه في الانتخابات الرئاسية. ولا بد للسيناتور "ماكين" أن يدرك بأن جنودنا الجدد العائدين من العراق يعانون الأمرين، حيث يتلقى "جايسون بينسلي" القادم مؤخراً من العراق 650 دولارا في الشهر كجزء من الإعانات التي يستفيد منها بموجب القانون الأصلي للمحاربين القدامى. لكن "بينسلي" الذي خدم في جنوب العراق، وفي الموصل ومحافظة ديالي، مثقل بالديون، ويسعى جاهداً إلى تسديد تكاليف الدراسة، موضحاً الأمر بقوله "لست أدري لماذا لا يساند أعضاء في الكونجرس مشروع القانون الجديد، لا سيما وأن السيناتور "ماكين" يعرف أكثر من غيره صعوبة الانتقال من الحياة العسكرية إلى المدنية؟". أما البيت الأبيض، فقد عبر عن قلقه من مشروع القانون، مشيراً إلى أنه في حال منح الجنود العائدين فرصة متابعة دراستهم الجامعية، فإنهم سيفضلون الدراسة بالجامعة على تمديد فترة خدمتهم في الجيش. والحال أن هذا التبرير مهين وعبثي في الوقت ذاته، ذلك أنه أولا أمر غير أخلاقي أن يُصار إلى وضع نظام تبدو فيه الحياة المدنية أقل جذباً للجنود من القتال في محاولة لإجبارهم على البقاء في صفوف الجيش. وثانياً أن مثل هذه الخطوة التي تقلل من قيمة الحياة المدنية قد تبعث برسالة خاطئة إلى الجنود مفادها أن الأمة التي يضحون من أجلها لن تضمن لهم حياة كريمة بعد الخدمة، وهو ما يضر أكثر بجهود التجنيد التي تعاني من مشاكل في استقطاب عناصر جديدة. وقد حرص "ماكين" بنفسه على تذكير جمهوره بأن خدمة الوطن هي أفضل ما يمكن أن يقوم به المرء، بل ليس هناك ما هو أكثر نبلاً وشرفاً من المخاطرة بالحياة من أجل الوطن. والحقيقة أن الأميركيين يخدمون وطنهم كل يوم ويظلون لفترات أطول في الخدمة العسكرية سواء في العراق أو أفغانستان، بيد أن ما تظهره قواتنا من نكران للذات وتفانٍ في خدمة الوطن لا يعني أن نتركهم يتدبرون أمورهم بعد عودتهم إلى أميركا. لذا يتعين على "ماكين" أن يتذكر بأنه بقدر ما خدم أميركا في السابق فإن أميركا أعطته الكثير وجعلت منه الرجل الذي يقف أمامنا اليوم ويسعى إلى دخول البيت الأبيض. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ويسلي كلارك- القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ جون شولتز- رئيس منظمة مدنية تدافع عن المحاربين القدامى ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"