بسبب النزاعات المستمرة التي تمزقه، ظل الشرق الأوسط دائماً مصدراً للسوداوية والتشاؤم. لكن اليوم، وبفضل ارتفاع أسعار النفط إلى ما يزيد على المئة دولار للبرميل، إضافة إلى تبرم شباب المنطقة من الأوضاع السياسية القائمة، وانفتاح الجيل الحديث على التكنولوجيا، فقد تحول الشرق الأوسط إلى أرض للأمل. غير أن السؤال الرئيسي الذي تجب إثارته هو: هل من المرجح نمو نمط للتفكير المستقل القادر على تحقيق السلام والتحول البطيء والتدريجي نحو الديمقراطية أم لا؟ يُشار إلى أن الكاتبة "روبن رايت" قد تنبأت في كتابها الأخير "أحلام وظلال: مستقبل الشرق الأوسط" بما يُبشر بالكثير من بوادر الأمل للمنطقة على المدى البعيد. مصدر هذا الأمل هو شباب المنطقة، من المغرب وحتى إيران شرقاً، وصولاً إلى منطقة جنوبي آسيا وما وراءها، وكذلك تنامي استخدام الشباب الشرق أوسطي للتكنولوجيا، وبخاصة تكنولوجيا الإنترنت. كما تتسم قطاعات الشباب بنفاد صبرها إزاء الأنظمة الشمولية ذات الطبيعة الديكتاتورية في الغالب الأعم، ونظيرتها المتزمتة دينياً. وتتسم القطاعات نفسها بتجاوزها لأوهام سياسات الحكومة الأميركية الداعية لإحلال السلام في المنطقة، إلى جانب تحديد الشباب لمواقفهم في كثير من الأحيان من سياسات واشنطن إزاء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، باعتباره النزاع الرئيسي في المنطقة، وغالباً ما يحكمون على تلك السياسات بانحيازها لإسرائيل. وهذا ما يستلزم أن تضع أي إدارة أميركية تعقب إدارة الرئيس بوش، جمهورية كانت أم ديمقراطية، نصب عينيها أهمية وضع سياسات شرق أوسطية مستنيرة وملهمة. وينبغي على الإدارة المقبلة أن تسارع إلى تصحيح الأخطاء السياسية الفادحة التي ارتكبتها الإدارة الحالية، مثل الحرب الاختيارية التي شنها بوش على العراق، وكذلك بعض الأخطاء السابقة التي ارتكبتها واشنطن، من شاكلة تقديم الدعم العشوائي للمتطرفين والمرتزقة من المقاتلين الإسلاميين إبان فترة الحرب الباردة وفي إطار الجهود العسكرية المعادية للاتحاد السوفييتي في أفغانستان. ولم يقم الدعم الكبير الذي قدمته واشنطن لتلك العناصر المتطرفة على أي أساس آخر سوى كونها عناصر معادية للشيوعية. وفوق ذلك كله، فإن على واشنطن أن تبذل جهداً جباراً في مجال الدبلوماسية الثقافية، وذلك بتوسيع حجم التمويل الليبرالي الهادف إلى نشر أفضل ما في نظامنا التعليمي الأميركي على امتداد المنطقة بأسرها. والمعروف أن الكثيرين من الطلبة العرب، وكذلك الأتراك والباكستانيين والهنود والمسلمين الآسيويين، قد تلقوا تعليمهم الجامعي وفوق الجامعي في الولايات المتحدة. وهناك الآلاف ممن تخرجوا على امتداد العقود من عدد من الكليات والجامعات الأميركية الموجودة في المنطقة، مثل الجامعة الأميركية في بيروت والقاهرة، وكذلك المدرسة الأميركية العالمية في غزة، ومدرسة الزراعة الأميركية في تسيسالونيكي في اليونان، وغيرها كثير من الكليات والجامعات. وعندما بدأت عملي لأول مرة في التغطية الإخبارية لمنطقة شمال أفريقيا في عقد الخمسينيات، أدركت أن هذه المؤسسات التعليمية ظلت تُخرج النخب الشرق أوسطية المميزة في مختلف التخصصات لعدة عقود. وقد شاركت هذه النخب في الصراع ضد الأنظمة الاستعمارية وما بعد الكولونيالية الموالية لفرنسا في المنطقة، خاصة في حرب الثماني سنوات الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، فيما عرف بحرب التحرير. والملاحظ أن تلك النخب الطلابية، كثيراً ما ربطت كفاحها ضد الاستعمار الفرنسي في كل من الجزائر والمغرب وتونس، وضد الاستعمار الإنجليزي في مصر، بالحركات الوطنية العلمانية. بل إن بعضها اتخذ مواقف واضحة معادية للجماعات الأصولية على نحو ما فعل الزعيم المصري جمال عبدالناصر ضد حركة "الأخوان المسلمين" في مصر. لكن يجب القول إن تفاوت المعايير التعليمية في منطقة الشرق الأوسط- حسبما أشارت إليه سلسلة تقارير الأمم المتحدة عن التنمية الاجتماعية الصادرة خلال السنوات الماضية- يُسهم في التخلف التنموي لشعوب المنطقة. وكانت نتيجة هذا التفاوت الثمار المريرة المتمثلة في ضعف معدلات محو الأمية، وفشل الكثير من خريجي المدارس والجامعات في العثور على وظائف خارج مؤسسات الجهاز الحكومي أو البيروقراطي، إضافة إلى ضعف مستوى البحث العلمي للخريجين. وكما قال لي أحد الطلبة العرب مؤخراً في وصف هذه الحالة:"فكأن المجتمعات الغربية تواصل صعودها المتسارع نحو التكنولوجيا المتقدمة، بينما نواصل نحن العرب انحدارنا إلى فترة القرون الوسطى". غير أن هناك مؤشرات جديدة على الأمل في تغيير هذا الواقع، بدأت تلوح هنا وهناك في سماء المنطقة. منها على سبيل المثال تخصيص العاهل السعودي مبلغ 10 مليارات دولار لمبادرة وقفية ترمي إلى بناء جامعة العلوم والتكنولوجيا في مدينة جدة. ويعتبر هذا الصرح التعليمي الذي يجري بناؤه حالياً، أكبر مبادرة سعودية من نوعها لتحديث النظام التعليمي في المملكة، حيث يتوقع لها أن تكون جامعة مختلطة بين الجنسين، وأن تدرس فيها العلوم والتكنولوجيا الحديثة، فضلاً لإقامتها لعدة شراكات مع كبرى الجامعات الأميركية. بل الملاحظ بوجه عام تزايد إقامة مثل هذه الشراكات وعلاقات التعاون الأكاديمي بين أفضل الجامعات والكليات الخليجية، مع أكبر وأعرق الجامعات الأميركية مثل هارفارد وبرينستون ومعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا وغيرها. كما تزايد اتجاه هذه المؤسسات التعليمية الشرق أوسطية إلى تطوير وتحديث مناهجها بحيث تشمل التخصصات الرئيسية الحديثة مثل الهندسة والطب والعلوم وغيرها من المقررات الدراسية التي لا بد منها لأي دولة كي تصمد أمام المنافسة الدولية في عالم اليوم. ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"