في عيدك يا أمي... آثرت أن أبعث في شخصك الكريم رسالة وفاء إلى كل أم أخلصت لأسرتها ووطنها مثلما فعلت "أم الإمارات"، التي اعتبرها حقاً وصدقاً "أم الإنسانية"، التي تحنو على بني البشر في وقت الشدائد، وتمد يد العطف بسخاء وود إلى كل مصاب، تشعر بآلامه وأحزانه، إنها الأم الرؤوم التي اتسع قلبها ليضم ملايين البشر من الخليج إلى المحيط، لا تكلُّ ولا تملُّ من المبادرة إلى المساعدة ودفع البلاء قبل أن يُطلب منها ذلك. على امتداد نحو أربعة عقود من الزمن قادت أم الإمارات، سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، الحركة النسائية والأسرية في دولة الإمارات، فكانت الأم الأولى التي نشرت الوعي في أوساط النساء والأمهات، والتي مهدت الطريق واسعاً إلى العلم والعمل، داعية المرأة الإماراتية إلى تحمُّل مسؤولية بناء الأسرة والمشاركة في التنمية وخدمة وطنها في مختلف المجالات، معطية المثل والقدوة للجميع. لقد تقدمت أم الإمارات الصفوف لتتحمل مشقة العمل الوطني وتشارك بكل جد وإخلاص مؤسس دولة الإمارات في كفاحه لبناء الدولة وإعلاء شأنها، ولم تتخل يوماً عن دورها كأم وزوجة، فلم تتوان عن تربية الأبناء من الشيوخ ليشاركوا في بناء الوطن وتعلية بنيانه، في الوقت الذي لم تتوان فيه يوماً عن مؤازرة سمو الشيخ زايد رحمه الله، في تحمله مشاق وصعوبات تأسيس الاتحاد. إن التاريخ سيقف كثيراً عند الإنجازات الرائدة التي تحققت في مسيرة المرأة الإماراتية والعربية على يد أم الإمارات، وجهودها الهائلة من أجل أن يكون للمرأة دور فعال في دفع مسيرة التنمية الوطنية على كافة الصعد، وأن ينعم الإنسان في كل مكان من هذا العالم بالسلام والاستقرار. لقد تتلمذت على يد حكيم العرب وفي مدرسته الإنسانية الرائدة، فاتسع قلبها للجميع، وأضحت نموذجاً فريداً يُحتذى للأم والمرأة التي تعرف مسؤولياتها وواجباتها، فأضاءت طريق العمل ومسارات الخير من أجل خدمة المجتمع، ودفعت المرأة لتكون شريكاً حقيقياً في صياغة أنشودة الوطنية. هي سيدة جاءت من قلب الصحراء العربية، التي صقلتها بالصبر وأمدتها بالقوة، شاء قدرها أن تحمل هموم أبناء وطنها، فعزفت سيمفونية العطاء بلا حدود، تحتذي في ذلك بشيخها وزعيمها، قائدنا زايد. أحبت الوطن فأحبها أهل الوطن، فكانت النموذج الحي المضيء لقدرة المرأة على العمل والإنجاز رغم صعوبة الظروف وقسوتها. لا شك في أن أم الإمارات هي قائدة مسيرة العمل النسائي الذي جعلته مكملاً للعمل الوطني... ورسمت بجهودها المتميزة والسامية آفاق مشاركة المرأة لتشمل كل قضايا العمل الديني والوطني والقومي، لم تنس سموها أبداً معاناة الأهل في فلسطين، ولم تتخل يوماً عن نصرتهم أو مساندتهم، ولم تتوان أبداً عن دعم المرأة في كوسوفو، ودعت إلى نصرة الأهل في العراق وتخفيف آلامهم وأحزانهم، وجعلت من العلم والعمل طريق المرأة لتتحمل أعباء واجباتها الوطنية. لقد كان إيمانها قوياً وإصرارها عجيباً على أهمية دور المرأة في التنمية، فعملت بكل إصرار وعزيمة على رعاية الأسرة، وتطوير قدراتها وتعميق قيم التراحم وتجسيد التكافل الاجتماعي وتأصيل قيم الوفاء بين الأجيال، وترسيخ القيم النبيلة بين الأبناء، انطلاقاً من رؤية سموها وفلسفتها وقناعتها بأن العطاء وفعل الخير غرس طيب سيثمر عائداً إيجابياً لصالح الإنسانية. لقد أدركت سموُّها منذ وقت مبكر أن عمل المرأة لا ينبغي أن يكون على حساب أسرتها، وأثبتت قدرة الأم على تحقيق المعادلة الصعبة بين واجباتها تجاه أسرتها الصغيرة ومسؤوليتها الوطنية تجاه أسرتها الكبيرة "الوطن"، وأكدت بجهودها الإنسانية الهائلة أن عظمة الإنسان تأتي بما قدَّمه لبني جنسه، ويشهد تاريخها المشرِّف وحماسها للقضايا العربية والإسلامية، على مدى صدق توجهها وصحة رؤاها. فهي تتقدَّم الصفوف وتطرح المبادرات التي يصعب حصرها، الأمر الذي جعل من إنجازاتها حاضرة بقوة في كل الفعاليات الإنسانية على المستويات المختلفة المحلية والإقليمية والدولية، ولا ننسى برنامج "إسعاد القلوب"، الذي يؤكد على أهمية العمل التطوعي، ودوره التكميلي في النهوض بالمجتمع، فكان إسعادها للقلوب مصدر سعادة شخصية لها. تمر السنين وأم الإمارات تستثمر جهدها وثروتها في بناء المرأة، لتشارك في صنع الوطن وصياغة مستقبله، لم تفرق بين مواطن ومواطنة، فالكل أبناؤها، والكل عشيرتها، والكل أسرتها الكبيرة التي تتحمل طواعية مسؤولية رعايتها، وضحت براحتها من أجل حمايتها وتطويرها والحفاظ على مسيرتها. كانت عين أم الإمارات دائماً على المرأة، فهي مكمن الحفاظ على مكتسبات الوطن، لذلك كانت المرأة الإماراتية هي الهدف والوسيلة معاً لبناء دولة الاتحاد، هي هدف التنمية والتطوير، وهي وسيلة الدولة لبناء المستقبل. سارت بخطوات واثقة وراء الشيخ زايد، آزرته وناصرته عندما شرع في البناء وسط رمال الصحراء القاحلة، وساندته لتحقيق أمله في الاستثمار في أبناء الإمارات ليكونوا حماة الاتحاد، وحراس تنميته ونهضته. لم تكن المسؤولية سهلة، ولم تكن البداية هينة، فالانتماءات القبلية، والمحلية تطغى على المجتمع، والنزعة الانفرادية تغلب عليه، وكيان الدولة غير واضح، ومرتكزاتها غير متوافرة، والمشاركون في نثر بذرة الاتحاد ورعايتها عددهم قليل، والمؤمنون بالفكرة أقل عدداً، ولكن إيمانها القوي بصحة توجه الشيخ زايد وثقتها في الله وفي شعب الإمارات، ورؤيتها النافذة للنتائج، دفعتها للمشاركة في العمل الوطني بهمة ومثابرة لصنع المعجزة. كانت أم الإمارات ولا تزال المربية الفاضلة والزعيمة القوية التي صقلتها التجربة، ودفعتها لتتقدم الصفوف وتصبح القدوة والمثل لكل أم وامرأة على أرض الإمارات، ولم يكن هذا وليد الصدفة، فقد كانت حياتها ملحمة من العطاء والإخلاص والتفاني في أداء الواجب، تحلت بالصبر وهي ترعى ثمرة جهدها لتنمو يوماً بعد يوم، ومارست دورها وفق استراتيجية واضحة المرتكزات، وخطت بثبات وأصالة تشق طريقها نحو المجد، فأضحت معلماً بارزاً في مدرسة الحياة، وبات اسمها محفوراً في ذاكرة ووجدان كل إنسان. لقد أحبت أم الإمارات الوطن والمواطن، فانتشر حبها على أرض الإمارات ومواطنيها، وأرادت لهم جميعاً الخير، فبذلت قصارى جهدها لتوفير البيئة الصالحة لنمو الأسرة، وتطور المرأة، فكان التوفيق حليفاً لعملها، لأنها كانت تنشد الصالح العام دائماً. لقد اهتمت سموُّها اهتماماً كبيراً بالأسرة والأبناء، وبتربيتهم على هدي من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتابعت تعليمهم، وساهمت بشكل فعال في إقامة الندوات والمؤتمرات التي تناقش قضايا الأسرة في المجتمع، ولم تبخل بتقديم الدعم المالي والمعنوي للجمعيات الخيرية والإنسانية التي تُعنى بشؤون الأسر المحتاجة والمنكوبة، واندفعت بكل ثقة نحو تطوير التشريعات والقوانين التي تحافظ على حقوق المرأة وتؤدي إلى استقرار الأسرة، وتماسكها، كما قامت سموُّها بدعم معاهد ومراكز للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي وآسيا وأفريقيا، وتعزيز إمكانيات جمعيات رعاية الطفولة والأمومة، والإسراع بتقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية لمنكوبي الزلازل وضحايا الجفاف. إنها الأم التي حملت على عاتقها هموم وطنها العربي الكبير، والإنسانية بأسرها، لذلك جاء تكريمها من كل مكان، وهو في الحقيقة تكريم لكل أم وامرأة من الساعيات لدور إيجابي لخدمة المجتمع والأهل والوطن، إنه تكريم لكل ساعٍ للعمل والإنجاز، لكل من يكد ويجتهد في صمت. فيك يا أمي أرى كل الأمهات الصالحات والمخلصات، أرى الأمل في غد أفضل، أرى الملاذ من كل سوء، أرى الأصالة في أسمى معانيها. لا شك أن الكلمات مهما حملت من معان ومهما جسدت من صور ستظل غير كافية لأوفيك حقك، فدين الأم لا يمكن أن يرد، وجهدها أجلّ من أن يوصف، والجميع سيظلون مقصِّرين معها مهما فعلوا. في عيدك يا أمي... يا "أم الإمارات" أنسج من النجوم والكواكب باقة ورد أضعها تحت أقدامك، مجللة بكل كلمة حب وإعزاز وتقدير خطها كاتب أو شاعر إلى الأم.