يبدو أن "ديمتري ميدفيديف"، الرجل الذي اختاره فلاديمير بوتين ليُنتخب رئيساً لروسياً يوم الأحد المقبل، متعلق براعيه السياسي إلى درجة تقليد بعض حركاته الجسمانية؛ مثل الطريقة التي يضع بها يديه على الطاولة، والكيفية التي يشدد بها على بعض الكلمات في خطاباته، ناهيك عن خطواته السريعة والمتعجلة. ورغم أن "ميدفيديف" يستعد لتولي منصبه الجديد على رأس الكريملن، فإنه من غير المرجح أن يتمكن من ممارسة سلطاته كرئيس بعيداً عن أعين رئيس الحكومة، وهو المنصب الذي يتهيأ بوتين لتوليه. ومع ذلك أطلق أستاذ القانون السابق البالغ من العمر 42 عاماً والذي سيصبح رئيس روسيا المقبل، تصريحات مثيرة للاهتمام خلال الأسابيع القليلة الماضية. فمثلاً نُقل عنه قوله: "لقد تحولت روسيا إلى بلد يسود فيه انعدام القانون، ولا يوجد بلد أوروبي يفخر بعدم احترام القانون أكثر من روسيا"، وقوله في مناسبة أخرى: "إن أحد العناصر الأساسية لعملنا خلال السنوات الأربع المقبلة، هي ضمان استقلال نظامنا القانوني". والواقع أنه من الصعب تصديق ما يقوله "ميدفيديف"، فحسب تقديرات روسية وغربية، تمكن بوتين خلال سنوات وجوده في منصب الرئيس، من جمع ثروة تصل الى 40 مليار دولار، ضمنها أسهم في شركات الطاقة الروسية وشقة في باريس. ولا ننسى أنه في عهده قُتل ما لا يقل عن 14 صحفياً، أغلبهم كانوا يعارضون الكريملن- دون أن يُقدم أحد إلى العدالة. غير أن التجاوزات لا تقتصر فقط على الكريملن، بل تمتد إلى جميع المرافق العامة في روسيا، حيث يعاني المواطنون من تفشي الرشاوى، ويتعرضون للابتزاز الذي تمارسه الشرطة، فضلاً عن فساد الجهاز القضائي. ومع ذلك فإن تطبيق القانون -وإن كان لا يشمل بوتين ومحيطه الضيق- يعتبر أهم ما يمكن لـ"ميدفيديف" أن يقدمه من تعهدات. هذه التعهدات تلقفها "ليف بونوماريف"، زعيم الحركة الروسية من أجل حقوق الإنسان، الذي يتحلى بكثير من الشجاعة في معركته ضد سلطات الكريملن، لمنع انزلاق روسيا إلى أيام انعدام القانون خلال فترة الاتحاد السوفييتي. وفي هذا الإطار زار "بونوماريف" في الشهر الجاري واشنطن لمطالبتها بانتهاز فرصة الانتقال الرئاسي في روسيا لدفع الكريملن إلى مزيد من الانفتاح واحترام المعايير العالمية لحقوق الإنسان. وعبر "بونوماريف" عن رأيه قائلاً: "بالنسبة لي لا توجد أوهام، لأن ميدفيديف ليس إلا وجهاً آخر لبوتين. لكن من جهة أخرى يمكننا الضغط على ميدفيديف وجعله يتقيد بخطابه حول سيادة القانون". وتابع "بونوماريف" إن الرئيس بوش ومن سيخلفه، يمكنهم مواصلة الضغط على "ميدفيديف" ليتوقف عن تسخير القانون لأغراض القمع السياسي وخنق الحريات، وهو ما يعني إنهاء ممارسات مثل مقاضاة الأكاديميين الليبراليين لاتهامهم بالتجسس، أو إرسال النشطاء المعارضين إلى مستشفيات الأمراض النفسية، أو فرض التجنيد الإجباري عليهم، فضلاً عن الحملات التي تشنها السلطات ضد المجتمع المدني بدعوى التهرب الضريبي، وغيرها من التهم الواهية. ويشير "بونوماريف" إلى عودة ما يسميه "معسكرات التعذيب" الشبيهة بالجولاج القديم في عهد الاتحاد السوفييتي، حيث يتعرض المعتقلون لانتهاكات منظمة. وقد تمكنت مجموعته من توثيق التجاوزات الخطيرة التي يخضع لها المعتقلون في صور وأشرطة فيديو وهُربت إلى الخارج لإطلاع الرأي العام الدولي على تلك الخروقات. وأخيراً هناك المتابعة القضائية لكل من يتحدث عن الانتهاكات والتجاوزات المنتشرة على نطاق واسع في روسيا، حيث وجه المدعي العام يوم الجمعة الماضي تهماً ضد "بونوماريف" نفسه بدعوى التشهير بالجنرال "يوري كالينين"، مدير نظام السجون في روسيا، بالإضافة إلى إلغاء وثائق سفره، وهو ما اعتبره محاميه عقاباً له على تصريحاته في واشنطن. وبالطبع يتعين أيضاً إيقاف ملاحقة النشطاء العاملين في مجال حقوق الإنسان الذين يدافعون عن سيادة القانون. وفي هذا الإطار على الرئيس بوش وباقي القادة الغربيين أن يسألوا "ميدفيديف": كيف يمكن لخطابه حول دعم حكم القانون في روسيا، أن يستقيم في ظل التهم الموجهة "لبونوماريف"، وذلك قبل أن يتلقى الرئيس المقبل لروسيا دعوة للمشاركة في قمة الدول الثماني الكبرى! جاكسون ديل كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"