العرب والانتخابات الأميركية... هواية قديمة
عناوين الأخبار ومناقشات وسائل الإعلام العربية بمختلف أنواعها وجغرافيتها، المرئية والمسموعة والمقروءة، مع بدء احتدام انتخابات الرئاسة الأميركية في الفترة الأخيرة، تذكرني بعادة عربية متكررة، حيث تعلو أصواتنا وتنخفض مع كل تحرك تشهده ساحة الانتخابات الرئاسية الأميركية. وإذا ما تابعت وسائل الإعلام العربية ستجد حواراتها الحية وبرامجها المباشرة مشغولة بسباق الرئاسة نحو البيت الأبيض وما يحدث فيه من تطورات حول الشخص الذي سيكون في سدة الرئاسة الأميركية خلال السنة القادمة؛ "جمهوري" أم "ديمقراطي"؟
أغلب العرب لا يفضلون حزباً معيناً، مهما قالوا ومهما صرحوا بتوجهاتهم السياسية حيال هذا الحزب أو ذاك، لكنهم يتعاملون مع الانتخابات بعاطفة، فهم في دورات رئاسية سابقة كانوا يفضلون انتخاب الرئيس الجالس في البيت الأبيض، إذا كان له نصيب دستوري في البقاء، وفي أحيانٍ أخرى تجدهم يسعون ويحلمون بانتخاب مرشح الحزب المنافس للحزب الحاكم، في حال لم تكن سياسات الرئيس الموجود في السلطة تساير هواهم... وهكذا تسير الأمور.
أحياناً نحلم بالتغيير لمجرد التغيير، وأحياناً أخرى نطمح في أن يصلح الرئيس القادم ما أفسده الرئيس الحالي، وأحياناً أخرى نطمح فقط في أن نتشفى في حزب أو رئيس معين، لا أكثر!
دول العالم كلها تهتم بالانتخابات الأميركية، لكن من خلال دراسة توجهات الحزبين الرئيسيين والمرشحين المتنافسين في السباق الرئاسي، وتركز على الجانب الذي يمكنها التعامل فيه مع الفريق الجديد القادم إلى سدة الرئاسة. إلا أن طريقة اهتمام العرب التي تصل إلى مرحلة التمني والرجاء بفوز أحد المرشحين، وهي سمة أساسية في العالم العربي، هي ما يدعونا إلى مناقشة هذا الموضوع، بل إننا نعتبر فوز أحد المرشحين على الآخر هي صفعة للشخص الذي نكرهه أو نرفض أن يفوز.
تكشف مسألة الاهتمام بهذه الانتخابات مشكلة كبرى، وهي أن أغلبية الشعب العربي لا يكفيه أن يراهن على سياسة حزب معين تجاه قضايا عربية معينة وإيجاد الحلول لها، بل يصل به الأمر لأن يراهن على أشخاص معينين في تلك الانتخابات، وقد حصل هذا في وقت سابق إزاء الانتخابات الاسرائيلية، خلال المنافسة بين نتانياهو وشارون، وحصل كذلك بين بوش وكيري قبل أربع سنوات، وبين ساركوزي ورويال، ويحصل اليوم بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون، بل يأمل البعض أن لا تساعد الظروف أحد المرشحين، لأنه لا يرغب في فوزه بالانتخابات، وهو يتنفس الصعداء عندما تعلن النتائج الأولية لاستطلاعات الرأي في ولايات معينة، وبالتالي يبني آمالاً وتوقعات كبيرة تكاد تتجاوز آمال الشعب الأميركي نفسه.
بعض العرب يرون أن مجيء شخص معين سيكون له الأثر الإيجابي على الأوضاع العربية في دلالة تؤكد أنهم لم يستفيدوا من التجارب والدروس السابقة، بل إنهم ينسون أو يتناسون مواقف الرؤساء السابقين، رغم اختلاف أحزابهم، أو أن هناك خطوطاً حمراء لا يمكن أن يتعداها أحد منهم، وأياً كان الرئيس المنتخب فإن السياسة لا ترتبط بمن يأتي، فهي استراتيجيات لها أجندتها المحددة سلفاً.
الشيء الذي لا يستطيع أن يخفيه أحد منا هو المدى الذي وصله العرب في تكرار ذلك المشهد لعدة مرات، وربط مصيرهم بقرارات الآخرين دون أن يعوا ذلك.
لو نتذكر ما يحدث الآن، سنجد أننا نمارس هواية عربية سابقة في التعامل مع مثل هذه الانتخابات، حيث يراهن العرب على شخص في الانتخابات ويهتمون به، لكن نتفاجأ بغير ما كنا ننتظره منه أي يخيب آمالنا فيه ويتكرر المشهد مع كل الانتخابات، ما يعني ويؤكد عدم قدرة العرب على الفهم الصحيح والاستفادة من الانتخابات التي تجري في الدول الكبرى، كما أن المراهنة على حسن النوايا لشخص ما في السياسات الدولية لم تورث العرب سوى الحسرات.
وكلما حاول بعضنا أن يقنع نفسه بأن العرب فهموا آلية الاهتمام بانتخابات الآخرين، يفاجأ بأن ما هو متراكم منذ زمن لا يمكن تغييره، فهي من مسلمات الفكر العربي.