انقلاب على الإرهاب
من المتوقع لنتائج الانتخابات الباكستانية التي أجريت الاثنين قبل الماضي، أن تعطي الحكومة الجديدة المنتخبة، التفويض اللازم الذي تستطيع بموجبه إخراج الإرهاب من الحلبة السياسية في البلاد أخيراً. فالشاهد أن موجة العنف التي اندلعت نيرانها منذ مصرع زعيمة المعارضة ورئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو في شهر ديسمبر المنصرم لم تنحسر بعد، مع العلم أن الطرفين الأكثر ضلوعاً فيها هما أنصار تنظيم "القاعدة" ومقاتلو حركة "طالبان". غير أن الرأي العام الباكستاني قد عبّر بما لا يدع مجالاً للشك عن إدارة ظهره للتطرف الإسلامي، من خلال النتيجة النهائية التي أسفرت عنها الانتخابات العامة الأخيرة، وهي الخطوة التي من شأنها أن تحدث تحولاً جذرياً في سياسات هذا البلد الذي وصفته مجلة نيوزويك بأنه "الأكثر خطورة في العالم".
وكان مركز "تي. إف. تي" -نحو غد حر من الإرهاب- قد أجرى استطلاعاً للرأي العام على امتداد باكستان كلها في شهر أغسطس الماضي، كشف أن ما يتراوح بين ثلث إلى نصف الشعب الباكستاني يؤيدون "القاعدة" والجماعات الإسلامية المتطرفة الأخرى المرتبطة بها. ويكاد نصف الذين شملهم استطلاع الرأي يؤيدون أسامة بن لادن. بيد أن التطورات التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية: انقضاض الرئيس مشرف على الصحافة وزعماء المعارضة، تصعيد مقاتلي "القاعدة" و"طالبان" هجماتهم الإرهابية، اغتيال بينظير بوتو، ثم تصاعد الحملة السياسية التي انتهت بانتخابات يوم الاثنين قبل الماضي، كلها عوامل كان لها فعل السحر في تغيير اتجاهات الرأي العام الباكستاني على نحو غير مسبوق.
ففي استطلاع جديد للرأي العام الباكستاني، أجري الشهر الماضي، تراجع تأييد الشارع الباكستاني لـ"القاعدة" و"طالبان"، وكذلك لأسامة بن لادن وغيره من قيادات المنظمات الإرهابية الشبيهة بنسبة 50 %، وصولاً إلى نسب دون الـ20 %. وفيما لو برز تنظيم "القاعدة" بين القوى السياسية التي خاضت الانتخابات الباكستانية الأخيرة، لما تجاوزت نسبة الأصوات الانتخابية التي كان سيحصل عليها الواحد في المئة فحسب. أما حليفته حركة طالبان، فلن تتجاوز نسبتها من إجمالي أصوات الناخبين الـ3 في المئة. وينطبق هذا الانحسار في التأييد الشعبي للتنظيمين المذكورين حتى على المناطق التي تعتبر معاقل لهما في باكستان. وليس أدل على هذه الحقيقة من انخفاض نسبة التأييد الشعبي لـ"القاعدة" في وزيرستان إلى نسب دون العشرة في المئة. وبالمقارنة فقد كانت نسبة 70% من سكان هذه المحافظة من مؤيدي بن لادن. أما في استطلاع الرأي الآخير، فلم تزد هذه النسبة على 4%. ومما لا ريب فيه أن نتائج استطلاع الرأي نفسها عكست هزيمة نكراء مُني بها التيار الإسلامي في وزيرستان، بدليل أن مجموع المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها لم يتجاوز التسعة مقاعد، قياساً إلى 67 مقعداً حظي بها في انتخابات عام 2002.
وفي مقابل إدارة الشارع الباكستاني ظهره للحركات والتنظيمات المتطرفة، فقد عبّر بوضوح عن إقباله على الأحزاب السياسية العلمانية المعتدلة. فحتى استطلاع الرأي العام الذي أجراه مركز "تي. إف. تي" في شهر أغسطس الماضي، لم تزد نسبة التأييد الشعبي للأحزاب السياسية المعتدلة الكبرى في البلاد على 39 %. أما في استطلاع المركز نفسه لشهر يناير المنصرم، فقد قفزت هذه النسبة مباشرة إلى 62 %، بتأكيد المستطلعة آراؤهم في هذه النسبة اعتزامهم الإدلاء بأصواتهم لصالح الأحزاب المعتدلة في انتخابات فبراير التي أجريت يوم الاثنين قبل الماضي. وها هي نتائج الانتخابات وقد أكدت تصويت النسبة نفسها تقريباً لصالح القوى العلمانية المعتدلة في البلاد.
الشعب الباكستاني يتألف من نسبة كبيرة من الشباب، ويعتبر مجتمعاً دينامياً متطلعاً نحو قيم الديمقراطية وسيادة القانون. وفيما لو أتيحت له كامل الحرية في اختيار قادته، فإنه لا شك سيختار القيادات السياسية المعتدلة. ومن شأن اختيار كهذا أن يمنح الحكومة الباكستانية التفويض والشرعية الشعبيتين اللازمتين لتصعيد أقوى حملة عسكرية ضد "القاعدة" و"طالبان".
ومع وضع أيديها على السلطة كاملة مثلما أتيحت لها الآن عبر صناديق الاقتراع، فقد تعين على الأحزاب السياسية المعتدلة أن تضع ألف حساب للرأي العام الشعبي وتدرك أنها حصلت على تفويضين شعبيين خلال الانتخابات الأخيرة هذه. فإلى جانب التأييد الشعبي الساحق الذي حصلت عليه هذه الأحزاب، وهو تأييد أوصلها إلى سدة الحكم، ويجب الحفاظ عليه خلال السنوات اللاحقة، فإن عليها الأخذ بالتفويض الآخر المتمثل في التصدي لموجة التطرف الواسعة القوية التي تعم البلاد بأسرها، على رغم الهزيمة الماحقة التي مُنيت بها عبر صناديق الاقتراع.
يذكر أن بينظير بوتو قد وهبت روحها فداء لقناعتها القائلة إن باكستان المتحررة والأكثر ديمقراطية، هي خير شريك للولايات المتحدة الأميركية خارجياً والأقوى في تصديها للمتطرفين داخلياً.
كنيث بالن- رئيس مركز "تي. إف. تي" للرأي العام
ــــــــــــ
رضا أصلان- محلل بشبكة "سي. بي. إس نيوز" الأميركية
ــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"