لا يستطيع أحد أن يعود من ساحتي الحرب في العراق وأفغانستان -مثلما فعلت أنا مؤخراً- دون أن يكون مؤمناً بأنه ما زال من الممكن كسب هاتين الحربين. احتمالات الخسارة لا تزال واردة بالطبع، بيد أن الشيء المؤكد هو أن هاتين الحربين تختلفان اختلافاً بيناً عن الحرب التي يتم وصفها في الحملات السياسية في أميركا، وفي معظم السجالات التي تدور خارجها. إن هاتين الحربين تتضمنان ما هو أكثر بكثير من القتال بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والحركات المتمردة ("القاعدة" و"طالبان") من جهة أخرى. ويمكن للنصر أن يتحقق فقط في حالة إذا ما قاد النصر العسكري إلى نصر إيديولوجي ونصر سياسي، وحكومة رشيدة، وتنمية ناجحة. في مثل هذه الحرب تكون للدولارات نفس القيمة والأهمية التي تكون للرصاصات ولكن هناك أهمية كبيرة أيضاً لعوامل أخرى مثل المصالحة السياسية، والخدمات الحكومية الفعالة، والمؤشرات الواضحة التي تؤكد أن هناك مستقبلا يمكن بناؤه على أسس أخرى غير الأصولية الإسلامية. والوضع العسكري في العراق يختلف عن مثيله في أفغانستان اختلافا كبيرا. فالولايات المتحدة، وحلفاؤها يكسبون كل قتال تكتيكي يخوضونه ضد المتمردين، وهو ما يبدو واضحا في العراق. وهناك آمال حقيقية للغاية، في إمكانية نجاح قوات "التحالف" في تحقيق درجة معقولة من الأمن في العراق، إذا ما تم اتخاذ قرارات مهمة مثل ذلك الذي اتخذه الزعيم الشيعي "مقتدى الصدر" بمد تجميد "جيش المهدي". النصر العسكري في أفغانستان أكثر هامشية منه في العراق. فرغم أنه ما يزال بإمكان قوات "الناتو" وقوات الدول المنخرطة في القتال هناك، تحقيق انتصارات تكتيكية، فالحقيقة هي أن "طالبان" قد نجحت بشكل كبير في توسيع مناطق سيطرتها ونفوذها. بل استطاعت تحقيق مكاسب نوعية في باكستان التي تعتبر الجائزة الكبرى التي تسعى الحركة إلى كسبها. يحذّر القادة العسكريون الأميركيون سراً من أنه يتعذر تحقيق النصر دون نشر مزيد من القوات، ودون قيام أعضاء "الناتو" و"قوة المساعدة الأمنية الدولية"، بتكليف كافة قواتهم بمهام قتالية، ودون بذل مجهود أكبر وأكثر اتساقاً من قبل الجيش الباكستاني؛ سواء في مناطق القبائل المدارة من قبل الحكومة الفيدرالية في غرب البلاد، أم في منطقة البلوش في الجنوب. والشيء المشترك بين الحرب في العراق وفي أفغانستان هو أن كلاً منهما تتطلب من الولايات المتحدة جهداً كبيراً ومتسقاً، وممتدا طيلة سنوات حكم الإدارة القادمة على الأقل، إذا ما أرادت كسب هاتين الحربين. وأي سجال أميركي يتجاهل أو ينكر حقيقة أن هاتين الحربين هما حربان طويلتان، سيكون سجالاً غير أمين، ويمثل إرهاصاً بالهزيمة. من الواضح أن العمليات القتالية، والمساعدات المقدمة لهاتين الحربين، لن تنتهي لا في عام 2008 ولا في عام 2009، بل قد تستمر إلى ما بعد عام 2012، وربما تمتد إلى عام 2020. وإذا لم يستطع الرئيس الأميركي القادم والكونجرس والشعب الأميركي أن يواجهوا الحقيقة، فمعنى ذلك أننا سنخسر الحرب، كما أن السنوات الطويلة التي دأبنا خلالها على تقديم وعود حول السرعة التي سنستطيع بها تكوين جيش كفء، وقوات شرطة، وقدرات قضائية، في العراق وأفغانستان، لا تستطيع أن تغطي على حقيقة أن القوات المحلية، والبنى التحتية القادرة، لن تكون جاهزة قبل عام 2012، بل قد يمتد الأجل إلى ما وراء ذلك العام. لا يعني هذا أن تخفيض مستويات القوات الأميركية والقوات الحليفة غير ممكن بمضي الوقت، وإنما يعني أنه ستكون هناك حاجة إلى وجود عسكري واستشاري جاد ومهم على مدى فترات طويلة، وأن إجراء أي تخفيضات متعجلة في أعداد القوات، أو توفير قوات غير كافية، سيحدث انهياراً على المستوى العسكري. المشكلتان الأكثر أهمية وجسامة في هذا الصدد هما الحكومة الفعالة والتنمية. أقول ذلك لأن البلدين يواجهان انقسامات داخلية خطيرة، ومستويات عالية من الفقر والبطالة، تتطلب درجة كبيرة من الصبر حتى يمكن إيجاد الحلول لها. وهاتان المشكلتان قابلتان للحل بالطبع، بيد أن هذا سيتم على امتداد فترة زمنية طويلة، وهو ما يرجع جزئياً إلى أن البلدين توجد بهما حكومتان مركزيتان فاسدتان، تفتقران إلى الكفاءة والفعالية، وليس لديهما القدرة على تحقيق التنمية، وتوفير الخدمات... دون الحصول على مساعدات خارجية مستمرة، وبمستويات أعلى من المستويات الحالية. وتوجيه اللوم لحكومتي البلدين، أو محاولة دفعهما قبل الأوان، لاتخاذ إجراءات فعالة من خلال تهديدهما برحيل القوات الأميركية إن لم تفعلا ذلك، لن يفيد شيئا، بل ربما يقوضها، قبل أن تتمكنا من تجميع القوة اللازمة للعمل. إن أي رئيس أميركي لا يستطيع مواجهة هذه الحقائق، سواء الآن أو في المستقبل، سيعرض نفسه وبلده للهزيمة المؤكدة، سواء في العراق أو في أفغانستان، كما أن أي كونجرس أميركي يصر على تحقيق النصر أو النجاح العاجل، سيقود إلى نفس النتيجة. إننا بحاجة إلى التزام طويل الأمد، وموارد فعالة لمدة طويلة وصبر استراتيجي، حتى نتمكن من تحقيق النصر، وبدون ذلك فسنعرض أنفسنا للهزيمة، بأيدينا هذه المرة وليس بأيدي غيرنا. انتوني كوردسمان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أستاذ بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية- واشنطن. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"