زيارة سلام عربية لطهران
تمر المنطقة العربية في هذه الأيام بمرحلة تاريخية غاية في الدقة لا تختلف كثيراً عن المراحل والأزمات التي مرت بها خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن استمرار الاحتقان الذي تشهده الساحة العربية سواء في لبنان أو العراق أو حتى فلسطين، سيضر العرب كثيراً وفي الوقت نفسه لن يفيد إيران. لقد صارت إيران اليوم، وبحسب المعطيات المتوفرة على أرض الواقع، تمتلك بعض الأوراق المهمة في المنطقة العربية، بل بعض الأوراق "الخطيرة جداً" التي سيؤدي سوء استخدامها إلى كوارث لن تسلم إيران من آثارها، لذا يفترض أن طهران أدركت مدى أهمية وجدية الرسائل التي أرادت أن توصلها دولة الإمارات من خلال الزيارة التاريخية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يوم الاثنين الماضي على رأس وفد رسمي رفيع المستوى. فما يحدث في المنطقة يستوجب أن تضع إيران يدها في يد جيرانها العرب من أجل استقرار المنطقة..
بلا شك أن الاهتمام البروتوكولي الكبير بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي إلى طهران تعطي مؤشرات ايجابية حول مدى اهتمام طهران بضيفها الكبير ويعكس بعد النظر الإيراني، لكن يبقى أن دول وشعوب المنطقة تنتظر مقابل هذا الاهتمام البروتوكولي اهتماماً أكبر من طهران بالتخفيف من حدة التوترات على الساحة العربية، والتي للجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقة بها أو تأثير عليها.
في مايو 2007 كانت أول زيارة لرئيس إيراني منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 عندما زار الرئيس أحمدي نجاد الإمارات، وعلى الرغم من أن نتائج هذه الزيارة كانت أقل بكثير من المتوقع، وأن الموقف الإيراني تجاه الكثير من القضايا لم يتغير بعد تلك الزيارة، إلا أنها كانت خطوة مهمة لا يمكن التقليل من شأنها. ويوم الأثنين الماضي 18 فبراير 2008 شهدت المنطقة حدثاً تاريخياً مهماً بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لطهران في أول زيارة لمسؤول إماراتي كبير منذ العام 1979، وتكمن أهمية هذه الزيارة كونها خطوة أخرى من الإمارات تجاه جارتها إيران، كما تؤكد في الوقت نفسه أن الإمارات بلد يعرف ماذا يريد من جيرانه، وأن سياسة الإمارات التي ظلت على مدى عقود تتسم بالحكمة والاعتدال، ما زالت على نفس نهجها حتى مع من تختلف معهم، بل وحتى مع الدول التي لها حقوق راسخة وواضحة لديها.
لقد حملت هذه الزيارة عدة رسائل مباشرة إلى طهران منها رسالة واضحة بأن الإمارات على استعداد تام للجلوس مع جارتها إيران والتباحث في المشكلات العالقة وعلى رأسها قضية الجزر الإماراتية المحتلة الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى– وليس كما يروج في طهران بين الحين والآخر أن الإمارات لا تلبي دعوة الحوار في طهران- لذا يفترض أن تكون هذه الزيارة بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين من خلالها يتم تجاوز كثير من المشكلات، ولابد لإيران أن تستمع إلى جيرانها، الذين تهمهم مصلحة إيران لأنها تؤثر وتتأثر بما حولها في المنطقة.
ولا يخفى على أحد أن العلاقات الإماراتية- الإيرانية تاريخية وعريقة ولها جذور في مختلف المجالات، ولكن في السياسة لا يكفي أن نعتمد على التاريخ فقط، فالمستقبل هو المهم، والحاضر هو الأهم، وإذا أرادت إيران أن تستمر تلك العلاقات التاريخية حاضراً ومستقبلاً، فمن المهم أن تتعامل بشكل عقلاني مع متطلبات المرحلة، وأن تتعامل بشكل جاد مع هموم المنطقة وما يقلق دولها وشعوبها، لا أن تستمر دائماً في غض الطرف عما يقلق سكان الضفة الأخرى من الخليج العربي.
ونتمنى أن تكون هذه الزيارة قد ذكّرت طهران، وأكدت لها موقف الدول العربية ودول الخليج بشكل خاص من الأزمة الأخيرة التي مرت بها إيران مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في مسألة برنامجها النووي، ووقوف الدول العربية والخليجية ضد أية ضربة قد توجه إلى إيران أو حرب تندلع ضدها. لقد كان الموقف العربي واضحاً تجاه هذه القضية، ويجب أن تنتبه إيران إلى أنها أمام مسؤولية تاريخية تجاه هذه المنطقة، التي هي جزء منها، ويجب أن تكون جزءاً بنّاءً وفاعلاً.
أما التطمينات الشفوية الجديدة التي قدمها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي فيما يتعلق بسلمية برنامج إيران النووي، فبلا شك أنها محل تقدير، ولكننا نؤكد من جديد أن دول وشعوب الخليج العربي تنتظر من الجارة الإسلامية أفعالاً على أرض الواقع، فحتى اليوم نحن ننتظر من إيران دليلاً فيما يتعلق بسلمية برنامجها النووي، الذي، من دون شك، لا أحد يعترض عليه إنْ كان سلمياً. أما عندما يكون غير سلمي فبلا شك أنه ستكون للعالم كلمته الواضحة.
إيران استلمت الرسائل التي تخصها من جار وصديق "نعتقد" أنها تثق فيه، ويبقى الطرف الأهم في الاحتقان العربي، وهو بعض الدول العربية، فيجب أن ينتبه العرب اليوم إلى أن الصف العربي صار في وضع صعب جداً من الانشقاق والاختلاف، والواضح أن هذا الوضع الصعب يزداد تعقيداً عاماً بعد عام، فبعد أن كانت القضايا العربية تحل في البيت العربي دون تدخل الجيران، صار اليوم جيراننا لاعبين رئيسيين بل وأقوياء ومؤثرين في المعادلة العربية، فإذا كانت إيران قد استطاعت أن تدخل البيت العربي وتجد لها مكاناً متميزاً تقعد فيه، ومن خلاله تؤثر على مجرى الأحداث، فلا نستبعد تدخل جيران آخرين بل أطراف أخرى في البيت العربي. من المتوقع أن تنعقد القمة العربية في دمشق خلال أسابيع بمشاركة جميع الدول العربية، وأن يحضرها رئيس لبنان، ويُفترض أن تنجح المساعي من أجل انتخابه، ومن أجل كل ذلك يفترض أن يكون لسوريا دور إيجابي في هذه القضية، فجميع الدول العربية تترقب الموقف السوري، الذي بلا شك أنه موقف مؤثر- سواء كان سلبياً أم ايجابياً- على الوضع اللبناني، وبالتالي فإن اختيار الرئيس اللبناني يخفف كثيراً من الاحتقان داخل لبنان وحوله، وسيساعد العرب على الجلوس إلى طاولة الاجتماع. أما إذا لم يحدث ذلك، فإن هذه القمة ستكون مهددة بعدم الانعقاد أو في أفضل الأحوال ستشهد تمثيلاً عربياً هزيلاً، ولا أعتقد أن هذا ما تريده سوريا أو أية دولة عربية أخرى في هذا الوقت الصعب الذي تمر به المنطقة العربية. لذا نتمنى أن يأتي التحرك العربي الجاد من خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لإيران وسوريا بنتائجه المرجوة، وأن يساهم في تحريك إيجابي للموقفين الإيراني والسوري في مقابل تحريك المواقف الأخرى لما يساعد في عقد قمة عربية مكتملة النصاب