لن يتهمني أحد بالمبالغة أو بعدم الموضوعية، إذا قلت إن المشهد العراقي بتفاصيله اليومية الموجعة وما يحدث فيها من عمليات قتل وتفجير يومي، بات شبه مغيب من دائرتي الاهتمام السياسي والإعلامي الدولي والعربي. وتعمدت، لإثبات الحقيقة، أن أرصد خلال الأيام الماضية الصفحات الأولى للجرائد والمواقع الإخبارية وكذلك نشرات الأخبار، للوقوف على ما يطرح فيها بشأن العراق، فكانت النتيجة أن العراق شبه غائب تماماً عن أولويات الإعلام العربي والعالمي، رغم ما يحدث فيه من تفجيرات وقلاقل يومية. تراجع العراق عن العناوين الرئيسية للصحف ونشرات الأخبار، ليس لأن الاستقرار هو سمته الآن ولكن لأن هناك أحداثاً إقليمية أخرى حلت محله، وربما أبرزها الوضع في لبنان وما يحدث هناك من مسلسل سياسي يتميز بالمط والتطويل، ومثل هذا الأمر بلا شك يدعو أي مراقب إلى الدهشة والاستغراب، خاصة بعد ذلك الاهتمام والضجة الإعلامية التي كانت ترافق مجريات الأحداث في العراق. الواقع الإعلامي للملف العراقي يقول إنه حتى وقت قريب كان قضية محورية في وسائل الإعلام المختلفة، وكان يستحوذ على مساحة كبيرة من البرامج الحوارية ونقاشات المسؤولين، وأظن أنه في الوقت الحاضر ليس خافياً على المراقبين أن الملف العراقي غير متداول، لا سياسياً ولا إعلامياً. تراجع التغطية الإعلامية لما يحدث في أرض العراق، عند البعض له مبرراته الاستراتيجية في جانبين، بالنسبة للداخل الأميركي هناك وجهات نظر تقول إن السياسة الأميركية ستستمر في العراق مع الرئيس المنتظر في البيت الأبيض، لذا فتراجع التركيز على العراق أمر لا بد أن يكون عادياً، لاسيما مع عدم وجود حلول ومخارج للأزمة لدى أي من مرشحي الرئاسة الأميركيين، سواء "الجمهوريين" أو "الديمقراطيين"، الذين اتفقوا ضمناً على تفادي الخوض في هذا الملف الجدلي. الجانب الآخر، وهو أقرب إلى "نظرية المؤامرة"، يعتقد أصحابه أن التهميش الإعلامي للعراق فيه قصد وتعمد، وهو إلهاء الرأي العام العالمي وإشغاله بقضايا أخرى في المنطقة عن الفشل الأميركي في العراق. الركود الاقتصادي الأميركي قد يكون سبباً مباشراً في تراجع العراق ضمن أولويات السياسة الأميركية، لكن المتابع للأحداث يدرك أن هذا التراجع قد سبق مؤشرات الركود الاقتصادي بأشهر عديدة، أي أن الركود قد لا يكون له علاقة مباشرة بإزاحة العراق عن صدارة الاهتمام. من الصعب مطالبة الإعلام بالتركيز المتواصل على العراق، لاسيما وأن الجمهور قد وصل إلى درجة من التشبع الإعلامي بحيث بات من الصعب مواصلة احتلال العراق لصدارة الصحف وعناوين الأخبار المتلفزة، لكن تراجع الاهتمام الإعلامي بالعراق لم يكن، كما أظن، لسبب له علاقة بمسألة التشبع الإعلامي، كما لم تكن له علاقة بتراجع الأخبار السيئة الآتية من العراق، وبالأخص أخبار القتل والتفجيرات، لكني أعتقد أن هذا التراجع ربما يعود إلى تفجر ملفات محببة إلى الإعلام العربي، مثل الملف الفلسطيني والأزمات السياسية في لبنان، لكن يبقى غياب العراق مثار تساؤل. الإعلام العربي، مثل السياسة العربية، ذو أولويات موسمية بحيث ينشغل بهذه القضية عن تلك ولا يمتلك مهارة العمل على مسارات متوازية وتوزيع الاهتمامات والتغطيات بدرجات متوازية وتركيز متساو، ربما لطبيعة القائمين على معظمه وهويتهم، وربما أيضاً لأن الجمهور العربي بطبيعته شغوف بقضايا معينة دون أخرى. المعروف أن المشهد العراقي، ومنذ أربع سنوات تقريباً، كان القضية الأولى في وسائل الإعلام العالمية والعربية، وأشك أن ما يحدث وبمهارة كبيرة عن طريق التركيز على قضايا جانبية، أمر بعيد عن الترتيب. ولا يمكن وصف ما يحدث في الملف العراقي بأنه شيء إيجابي حتى لو أدى إلى التركيز على ملفات أخرى، لأن الأمر بعيد عن الموضوعية، والمقارنة من خلال متابعة الأخبار المنشورة خلال الأسابيع الماضية خير برهان على ما أقول. الخوف والهاجس أن يتحول الملف العراقي إلى ملف مناسبات يفتح في وقت ما ويتم تجاهله في وقت آخر، كما يحدث في الملف الفلسطيني.