لغة الورد وثقافة الجمال
الحب كلمة جميلة لها سحرها على القلب والنفس، وقعُها كالبلسم على الروح، فهي تشفي النفس من تعب الحياة وضنكها، وتعيد البهجة إلى الروح وتدخل السعادة وتدعونا إلى الابتسامة. من منا لا يشعر بقوة المشاعر الدافئة، التي تخترق الجسد وتنفذ إلى الروح، لكي تعيد الأمل وتزيل الكآبة والغشاوة عن العين، وتجعلنا ننظر إلى الحياة ببهجة... إنه عيد الحب.
لماذا نُحرّم الحب وهو حقيقة بشرية؟ ولماذا نقاوم الفرحة والابتسامة؟ ولماذا نقف ضد قوانين الطبيعة ونقول: لا لعيد الحب لأنه فقط ليس من اختراعنا؟ لا بأس جاءنا من الغير، ولكن حرك المشاعر ودفع فينا الأمل وتدافع الكثير لشراء الوردة الحمراء ليرفعها، وليعلن بأن للحب قوة لا يمكن مقاومتها، ولا يمكن للإنسان أن يتجاهل أحاسيسه الطبيعية. الحب لا يعني الخروج عن التقاليد، ولا يعني الفسق، فالحب كلمة جميلة نحملها في داخلنا ونطلقها على من يمدنا بالراحة، فقد يكون الزوجة والأب والأخ والأخت، والصديق والصديقة والطبيعة والفن والموسيقى. الحب شعلة تشتعل وتضيء الطريق، والحب مشاعر، والحب أمل، والحب هو الراحة، والحب هو حقيقة النفس البشرية التواقة لمشاعر الدفء.
عندما تتعطل لغة الكلام، ونعجز عن التعبير، ندع الورد يتكلم وينطق ليخرج ما في النفس، فلغته يفهمها الجميع، فهي اللغة العالمية التي اتفق على قواعدها بين سائر الثقافات، اللغة التي تنفض الألم الدفين وتخرج الشوق، وتعبر عن المحبة والصدق وتنطق بالدعوات الطيبة. التهادي بالورود حُرّم بفتوى على اعتبار أنه نوع من الشرك الأصغر، ولا أعرف لماذا من أفتى بتحريمه لم يفكر بقوة الورد في تهذيب السلوك ورقي البشر، ولماذا لا نريد لثقافة الجمال أن تعم بيننا. الورد ليس فقط للعشاق، فنحن نحمل الورد للمريض الذي أنهكت نفسه بثقل المرض، لنخفف عنه ونواسيه، ونعبر عن صدق مشاعرنا.
للورد حروف تنطقها ألوانها، وليس الوردة فقط، فالغصن الذي تقف عليه والشوك الذي يحتضنها له معانيه، فهي اللغة غير المنطوقة تعبر عن ما في النفس من صدق المشاعر وطيب التمنيات، فالوردة الحمراء تنطق بالشوق والصفراء تعبر عن ضوء الشمس والأمل والوردة الوردية تحاكي الصفاء والصدق، وهكذا تتحدث الألوان وترسل برسائلها لتعبر عما في النفوس.
الورد لغة هادئة حضارية تصفي النفس وتهذب السلوك والناس تتوق للورد في كل المناسبات والتهادي بالورد يعبر عن ثقافة السلام والجمال، وكلما شاهدنا الورد في الشوارع نشعر بالراحة، فنقول لمن يريد أن يقتلع الفرحة والبسمة بأن النفس البشرية تواقة للفرحة، فهي نفس مثقلة بهموم الحياة والوردة تنطق بما يعجز عنه اللسان.
المؤسف بأن نجد من لا يفهم احتياجات البشر ويتعامل معها بقسوة والمؤلم بأن نسخر الشرع لقضايا التهادي بالورد، ونلجأ إلى التحريم كوسيلة لمنع الشباب من الاحتفال بيوم الحب، وكان بالامكان أن نبحث عن وسائل أخرى إذا ما كنا نريد أن نحمي شبابنا من التأثر بقيم وعادات الغرب، ليس من خلال التخويف والتحريم، وإنما البحث عن بدائل مغرية تدفعهم للتمسك بالتراث وثقافتنا الوطنية عبر تطوير طرق احتفالاتنا لندخل عليها مزيدا من البهجة. عالم اليوم يختلف عن الأمس، فالتواصل بين الثقافات عبر قنوات التقنية الحديثة ينقل لنا كل صغيرة وكبيرة، ويدفع شبابنا لاقتباس كل ما هو مغرٍ ومفرح، وخصوصا أن الكآبة تخيم علينا والناس تبحث عن الفرحة في كل مكان.