ملامح
9 فبراير 2008 21:45
الصحافة الفرنسية
فرنسا تتحاشى الوقوع في "الفخ التشادي"... وأميركا تمهِّد الطريق أمام "ماكين"
-----------
خطة ساركوزي الجديدة حول الضواحي، وخلفيات الحياد الفرنسي في النزاع التشادي، ونتائج انتخابات "الثلاثاء الكبير" التمهيدية الأميركية، موضوعات ثلاثة نعرض لها ضمن قراءة سريعة في افتتاحيات الصحف الفرنسية.
----------
هجوم على خطة "الضواحي":
تناول كُتاب افتتاحيات الصحف الإقليمية الفرنسية دلالات وأبعاد الخطة الواسعة التي أعلن عنها الرئيس نيكولا ساركوزي أول من أمس (الجمعة)، والموجهة لتنمية الضواحي، وبمخصصات مالية كبيرة تصل إلى نصف مليار "يورو". ففي افتتاحية بصحيفة لومانيتيه اعتبر موريس إلريش أنه لا أحد ينكر ما عانته الضواحي الفرنسية من مشاكل، ومن اختزال في الخطط الاقتصادية السابقة التي لم تعتبرها في أحسن الأحوال سوى "خزان للأيدي العاملة" الرخيصة. ولكن المشكلة تكمن في مدى جدية الخطة المعلنة اليوم، خاصة إذا ربطنا توقيت الإعلان عنها الآن بالذات قبل شهر من الانتخابات البلدية، واحتمال استغلال ذلك سياسياً لرفع مكاسب اليمين أمام جمهور الناخبين، ومن ثم إعادة ساركوزي وحكومته إلى الصورة مجدداً. وهذا الاستغلال السياسي الحزبي للخطة نجد أيضاً إشارة شبيهة إليه في افتتاحية أخرى لباتريس شابانيه في "لا هوت مارن"، مقرونة بالتأكيد على أن المسعى الخفي هو نقل الاهتمام إلى الضواحي ومشاكلها وخطط النهوض بها بدلاً من حياة ساركوزي الخاصة، التي سلطت عليها الأضواء بما فيه الكفاية خلال الأسابيع الماضية. وإلا، فما معنى الحديث عن تخصيص 500 مليون "يورو" للنهوض بالضواحي، إذا كانت الحكومة تكرر في كل مناسبة أن خزائن الدولة خاوية؟ من جانبه تساءل الكاتب دانيل رويز في افتتاحية "لامونتان" إن كانت حقاً خطة الضواحي المعلنة الآن، ستكون بمثابة "إعادة تأسيس للمدينة" الفرنسية، بحيث تتقلص المشاكل الحضرية، وتتحسن الظروف الأمنية، كما يسعى ساركوزي ووزيرته فضيلة عمارة الى إقناع الفرنسيين، أم أنها مجرد إعادة تدوير لخطط سابقة؟ هذا في حين تمنى "فيليب لاري" في افتتاحية "لابروفينس" أن يكون ساركوزي يعني حقاً ما يقول، وأن يتركز الجهد الحكومي على تحويل الضواحي إلى ورشة عمل وتحديث اجتماعي تعليمياً وأمنياً، لتصبح الضاحية الفرنسية أخيراً أرضاً خصبة لتدخلات الدولة، بدل أن تبقى باستمرار أرضاً محروقة. وأخيراً تهجم فيليب فوكامب في افتتاحية "لوروبيبليكان لورين" على خطط الضواحي عموماً قائلاً إنها ما فتئت تتساقط واحدة بعد الأخرى كأوراق الخريف. فبعد أن تحدث ساركوزي طويلاً خلال حملته الانتخابية عن نيته إطلاق مخطط "مارشال" موجه للضواحي، وبعد وعود فضيلة عمارة بمليار "يورو" للمناطق الحضرية الحساسة، ها هي كل تلك الوعود والأحلام تنقشع عن 4 آلاف شرطي، ووعود بتعميم التمدرس، وإتاحة فرص تعليم ثانية. هذا دون أن ينتبه أحد الى أن التخبط هو آخر شيء يمكن أن تصنع منه السياسات الناجحة.
فرنسا والصراع في تشاد:
صحيفة لوموند تحدثت في افتتاحية عن خلفية الهجوم الأخير الذي شنته جماعات التمرد التشادية على العاصمة نجامينا، رابطة بينه وبين القرار الأوروبي بإرسال قوات "يوروفور" إلى ذلك البلد وجمهورية وسط أفريقيا. وقد أدى الهجوم إلى إعلان تلقائي عن "تأجيل" موعد نشر القوة الأوروبية، وهذا ما سعت إليه الأطراف الداعمة للمتمردين التشاديين، تقول لوموند، وهي نفس الأطراف المعارضة لنشر القوات الدولية "الهجينة" في إقليم دارفور السوداني. ومع أن فرنسا ظلت منذ مجيء ساركوزي إلى السلطة في طليعة التحركات الدولية بخصوص دارفور، خاصة بعدما تبين أن القوات الأفريقية غير قادرة على حفظ الأمن في الإقليم، فإن موقفها الآن بات أكثر تعقيداً ودقة، بعد المتغيرات التي نجمت عن المواجهات في تشاد، والتي أخذت الفرنسيين على حين غرة، مع أنه كان يمكن توقع ما جرى منذ وقت طويل. ولعل مما يزيد تعقيد الموقف الفرنسي أن العواصم الأوروبية تبدي تردداً واضحاً في الذهاب مع باريس حتى نهاية المهمة التشادية، وذلك لشعورها بعدم الرغبة في التورط وراء سياسة فرنسا الأفريقية. ويتناول هذه النقطة أيضاً بيير روسلين في افتتاحية بلوفيغارو الذي يرى أن فرنسا من خلال وقوفها على الحياد في معارك نجامينا، واكتفائها بإجلاء رعاياها، نجحت بشكل واضح في تجنب الوقوع في الفخ التشادي، ومن ثم أرسلت رسائل تطمين لشركائها الأوروبيين فيما يتعلق بحجم التزامها هناك، وللتأكيد على أنها لا تريد جر الأوروبيين ليكونوا طرفاً في نزاعات أفريقية داخلية. أما في افتتاحية "ويست فرانس" فقد ذهب جوزيف ليمان إلى أن الحياد في معارك تشاد أزاح عن كاهل باريس كل تلك الإحالات التاريخية السيئة حول دورها التقليدي كـ"شرطي" في القارة السمراء. وهي الخلفية التاريخية المكتنزة بالمرارات والتجارب التي دفعتها لنبذ أي تدخل عسكري مباشر في القارة إلا تحت مظلة أوروبية أو أممية. ولو كانت باريس انساقت لإغراءات التدخل المباشر في النزاع الداخلي التشادي لكانت خسرت كثيراً من الثقة والرغبة في التعاون معها لدى العواصم الـ27 الأوروبية.
ما بعد "الثلاثاء الكبير":
في افتتاحية بعنوان: "وتستمر الإثارة" خصصتها صحيفة لوفيغارو لانتخابات "الثلاثاء الكبير" التمهيدية الأميركية، ذهبت إلى أن هذا الاستحقاق الذي يحسم عادة فرص الطامحين لدخول البيت الأبيض، تكشَّف هذه المرة عن إطلاق تنافس مزدوج في المعسكر "الديمقراطي" لا يبدو أن نهايته قريبة. فبعد تعادل باراك أوباما وهيلاري كلينتون تقريباً، بات الحزب الأميركي المعارض أمام إحدى ساعات الحقيقة المصيرية في تاريخه المديد. وما يعرفه الحزب الآن من استقطابات قد يؤدي به إلى التمزق والانشطار، وذلك بالنظر إلى عمق الشروخ واتساعها بين أنصار المرشحين. فأوباما، مرشح "التجديد" و"التغيير" الذي يعول على تأييد السود والشباب والمستقلين، لا يبدو أنه مستعد لرفع الراية البيضاء قريباً. وهيلاري مرشحة "الخبرة" و"البرنامج المُقنع" التي تعول على تأييد النساء وذوي الأصول الإسبانية وكوادر الحزب، مستعدة أيضاً للمضي في المزاد حتى نهايته. أما النهاية نفسها فلا يبدو أنها ستحسم قبل شهر أغسطس المقبل. ومعنى هذا أن الحزب سيضيع السنة كاملة في صراعه الداخلي قبل موعد الاقتراع الرئاسي نفسه في 4 نوفمبر. وعلى العكس في المعسكر "الجمهوري" يكاد جون ماكين يكون قد حجز بطاقة الترشح، وربما لا ينقصه على هذا الطريق سوى إقناع المرشح المعمداني "مايك هوكابي" وتلطيف مواقف اليمين الإنجيلي منه، ببعض التنازلات الصغيرة والترضيات، وبذلك يستطيع استغلال فرصة الحسم "الجمهوري" المبكرة في تجميع فلول حزبه، وإعادة الآمال والرغبة في الفوز إلى جماعات الضغط التي تشكل قرص الحزب الصلب. وفي السياق نفسه نقرأ في مجلة لونوفل أوبسرفاتور مقابلة مع الصحفي الأميركي المقيم في باريس "تيد ستانجر" وتحمل عنواناً دالاً: "جون ماكين سيكون رئيس الولايات المتحدة المقبل"، وقد برر توقعه هذا بما انتهت إليه انتخابات "الثلاثاء الكبير"، وبعدم نضج الشروط الموضوعية والسياسية الأميركية بعد لدخول امرأة أو رجل أسود للبيت الأبيض.
إعداد: حسن ولد المختار