هل تصبح كاليفورنيا سوقاً للطاقة الشمسية؟
بينما يتزايد الاهتمام بالطاقة البديلة عبر أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، تعرف الطاقة الشمسية في ولاية كاليفورنيا بصفة خاصة انتشاراً متزايداً نتيجة استثمارات حجمها مليارات الدولارات وكثير من الحماس. فخلال الأشهر الأخيرة، خلق قطاع الطاقة الشمسية عدة آلاف من الوظائف، لاسيما في مجال إنتاج خلايا الطاقة الشمسية وتركيب الألواح الشمسية على أسطح المنازل. ويرمي تزايد الاستثمارات في هذا القطاع إلى جعل الطاقة الشمسية أكثر فعالية وأقل كلفة مقارنة بالغاز الطبيعي أو الفحم.
وحسب مقاولين وأكاديميين وسياسيين، فإن قطاع الطاقة الشمسية اليوم مختلف عما تمت تجربته في السبعينيات، عندما أثار حاكم ولاية كاليفورنيا السابق "جيري براون" سخرية البعض لأنه تصور مستقبلاً تغذيه الطاقة البديلة. ويشير هؤلاء الأكاديميون والمقاولون إلى شركات مثل "سولر-سيتي" المختصة في تركيب الخلايا الشمسية على الأسطح. فمنذ تأسيسها عام 2006، عرفت الشركة توسعاً مضطرداً بحيث أضحت توظف اليوم 215 عاملاً وتحقق مبيعات بقيمة 29 مليون دولار. وفي هذا الإطار، يقول المدير التنفيذي للشركة إنه "من الصعب إيجاد شركات متخصصة في التركيب"، ثم يضيف: "غير أنه إذا واصلنا نمونا في هذه المرحلة بالوتيرة الحالية، فإننا لن نكون قادرين على مواكبة النمو".
ومن جهتها، أعلنت "سان-باور"، وهي شركة لصناعة خلايا السيليكون التي تحوِّل أشعة الشمس إلى كهرباء، أن إيراداتها لعام 2007 بلغت أزيد من 775 مليون دولار، ما يمثل ضعف إيراداتها في 2006 ثلاث مرات. كما تتوقع الشركة أن تتجاوز مبيعاتها سقف مليار دولار خلال العام الجاري. وقد أعلنت "سان-باور"، والتي يوجد مقرها في مدينة "سان خوسي"، أن سعر سهمها ازداد بنسبة 251% خلال العام الماضي، أي بسرعة تفوق سرعة نمو أسهم أي شركة أخرى من شركات منطقة "السيليكون فالي" مثل "آبل" و"جوجل".
والواقع أنه ليس من قبيل الصدف أن يكون مصدر ثلاثة أرباع الطلب الحالي على الطاقة الشمسية في الولايات المتحدة، هو سكان كاليفورنيا وشركاتها. وفي هذا السياق، يقول "دانيال كيمن"، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إن "هناك اقتصادا حقيقيا، شركات متعددة جميعها لديها فرصة التحول إلى شركات مزدهرة وناجحة"، مضيفاً أن كاليفورنيا مستعدة لتكون السوق الشمسية المقبلة في العالم ومركزها التجاري. غير أن السؤال حسب "كيمن" هو: "كيف لنا أن نتأكد من أن الأمر لا يتعلق بمجرد نخبة خضراء، ونجعله قاعدة للاقتصاد؟".
الواقع أن ثمة تحديات كبيرة في الأفق، ليس أقلها الهيمنة المستمرة للوقود الأحفوري؛ ذلك أن الطاقة الشمسية تمثل أقل من 0.1% من سوق الطاقة العالمية التي يقدر رقم معاملاتها بـ3 تريليونات دولار، وهو ما يدفع بعض المنتقدين إلى القول إن الدولة بصدد سبق نفسها، تماماً مثلما فعلت في السبعينيات. غير أن المتفائلين يرون أن الفرق هذه المرة هو مشاركة مستثمري ومبتكري القطاع الخاص والتكنولوجيات الصاعدة. فهناك ثمانية من أصل 12 شركة في الولايات المتحدة معنية بتطوير تكنولوجيا حديثة في مجال الطاقة الشمسية، توجد مقراتها في كاليفورنيا، وسبع من هذه الشركات توجد في منطقة "السيليكون فالي".
ومن جهة أخرى، يستفيد قطاع الطاقة الشمسية في كاليفورنيا من المساعدات المهمة التي يتلقاها من الولاية والحكومات المحلية لتشجيع الإقبال عليها. فقد رصدت الولاية 3.2 مليار دولار لدعم تركيب الألواح الشمسية، في إطار جهود تهدف إلى تزويد مليون سطح بهذه الألواح. كما مرر برلمان الولاية قانوناً لتقليص الانبعاثات الغازية المؤدية إلى الاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول عام 2020، وهو ما من شأنه أن يشجع الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية.
كما جاءت محفزات إضافية من عدد صغير ومتزايد من البلديات. فمدينة بيركلي مثلاً تعتزم دفع كلفة تركيب الألواح في منازل السكان واستعادة المال على مدى 20 عاماً عن طريق ضرائب إضافية. ومن جهتها، تستعد مدينة سان فرانسيسكو لتبنِّي معونتها الخاصة التي يتوقع أن تصل 3000 دولار بالنسبة للتركيب في المنازل، و10000 دولار بالنسبة للشركات.
وقد ساهمت هذه المعونات في زيادة الاستثمارات الخاصة. ففي عام 2007 استثمر هؤلاء المستثمرون 654 مليون دولار في إطار 33 صفقة في قطاع الطاقة الشمسية في كاليفورنيا، مقارنة بـ253 مليون دولار في إطار 16 صفقة خلال عام 2006، وذلك حسب مؤسسة "كلينتيك" التي تراقب الاستثمارات في مجال الطاقة البديلة. وكانت حصة الأسد من نصيب كاليفورنيا التي استقبلت نصف الاستثمارات المسجلة في مجال الطاقة الشمسية بالولايات المتحدة تقريباً لعام 2007. وفي هذا السياق، تقول "نانسي فلويد"، المديرة التنفيذية في "إنث باور"، وهي شركة تنشط في مجال الطاقة البديلة: "لقد بدأنا للتو نرى شركات ناجحة تظهر"، مضيفة: "ومن خلال التجديد والحجم، فإن الأسعار تنخفض".
أما بخصوص ما إن كان أي من هذه الاستثمارات سيثمر، فذاك يتوقف، مثلما حدث في عهود سابقة، على بلوغ المرحلة التي تصبح فيها الخلايا الشمسية قادرة على إنتاج الكهرباء بكلفة غير باهظة على غرار الوقود الأحفوري. وهو أمر يتوقع المتفائلون أن يحدث في بعض مناطق كاليفورنيا في غضون خمس سنوات تقريباً.
مات ريكتيل وجون ماركوف
مراسلا "نيويورك تايمز" في سان فرانسيسكو
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"