أولوية العرب المنسية
من أهم المشكلات التي تواجهنا كشعوب أو كأفراد في الآونة الحاضرة، هي التزاحم الشديد للبنود المتعددة على أجندتنا الجماعية والفردية. قد يختلف عدد هذه البنود من شعب أو فرد إلى آخر، وقد تزداد أو تخف حدة إلحاحها أو صعوبة التعامل معها، ولكن ظاهرة تزاحم البنود على أجندتنا أصبحت شغل الشعوب والأفراد حالياً. وبسبب تفاقم هذه المشكلة للأغلبية الكبيرة من الشعوب والمؤسسات والأفراد في زمن العولمة، بدأت بعض المؤسسات العالمية مثل جامعة الأمم المتحدة في طوكيو، أو بنوك التفكير، مثل مشروع كوبنهاجن عن الأزمات والحلول العالمية، تتوجه بالدراسة والبحث لإيجاد مخرج من مشكلة تزاحم البنود، على أساس أن عدم مواجهة هذه المشكلة بحسم وفاعلية قد يؤدي إلى تراكم هذه البنود واحداً بعد الآخر، حتى يصيب المجتمع أو الفرد بالشلل التام.
ودون الدخول في تفاصيل هذه البحوث والمناقشات العالمية، فإن من أهم النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسات هو أن المخرج الأساسي لمشكلة تزاحم البنود على أجندتنا، كشعب أو كأفراد، هو ليس بالضرورة تقليلها أو تخفيض عددها كما يعتقد الكثيرون لأول وهلة، لأن هذا قد يكون صعباً في زمن العولمة وتشابك المجتمعات والأحداث، ولكن وضع سلم أولويات لهذه البنود أي Ranking of priorities قد لا يكون سهلاً للوهلة الأولى، لأن كل شيء قد يبدو مهماً في حياة الشعب أو الفرد، مثلاً: هل الدفاع عن الأمن القومي أهم من الإنفاق على التعليم أو الصحة؟ هل انتشار البطالة يؤثر على وجود جيش قوي لأنه يخلق من ناحية أخرى جيشاً من غير المنتمين يسهل عن طريقهم اختراق المجتمع وتقويض الأمن القومي؟ ولكن بداية المواجهة والحل، تبدأ بتحديد الأولويات وطبقاً لمعايير واضحة، سواء كانت طبقاً لإلحاح المشكلة، أو الوقت المطلوب لمواجهتها أو الجهود التي يجب تعبئتها والإمكانيات المتاحة في هذا الصدد. لا مفر إذن من تحديد الأولويات، ولنأخذ مثلاً من واقعنا العربي السياسي الحاضر، نبدو أننا محاصرون كعرب بالمشاكل: الانقسام السياسي اللبناني وخطورة استمرار شرذمة القوى السياسية، انقسام القيادات الفلسطينية وتجويع غزة، العمالة المهاجرة في الخليج وقضايا البطالة، حتمية الإصلاح والصراع بين القوى السياسية المختلفة في وقت نحتاج فيه إلى توحيد الصفوف، ارتفاع أسعار الطاقة وبدائلها المختلفة وسيناريوهات المستقبل... أستطيع أن استمر إلى ما لا نهاية، فتزاحم البنود لا ينتهي، حتى دون الدخول إلى المستوى الفردي.
بين كل هذا التزاحم، هناك بند قد لا يبدو للكثيرين من صناع القرار أنه أولوية، أو على الأقل لا يبدو أنهم يفعلون شيئاً تجاهه، بل على العكس يعتقدون أنه ليس ملحاً الآن، وبالتالي يمكن تأجيل التعامل معه. أقصد بهذا البند ما يجري حالياً في الولايات المتحدة، وخاصة اختيار الرئيس القادم، هل يجب أن يكون اختيار الرئيس الأميركي ومتابعة انتخابه أولوية عربية؟ بالتأكيد نعم.
فالولايات المتحدة هي أولاً القوة الأعظم الوحيدة حالياً، فواشنطن عاصمة العالم في كثير من الأمور وما تقرره أهم أحياناً مما يجري في نيويورك، بل وتوجه قرارات الأمم المتحدة. ثم الولايات المتحدة ثانياً، لا تزال الشريك الأول -في الصراع كما في التعاون- مع المنطقة، فإذن لا مفر من التعامل مع واشنطن، وإذا لم نستعد من الآن لمعرفة الرئيس القادم، وحتى التأثير في أفكاره- كما يفعل الإسرائيليون والأوروبيون وجزء من الآسيويين- فسيكون رئيساً غير مكترث بالمصالح العربية عن عمد أو جهل- بل قد يصبح معادياً لها.
يجب التنسيق مع هذا الرئيس القادم من الآن، ومحاولة "تثقيفه" عن القضايا والمشاكل العربية ورؤيتنا لها، من يستطيع القيام بهذا؟
لو لم تكن الجامعة العربية شبه جهاز معطل، لكانت بها إدارة للبحوث والتخطيط لبدء أجندة عربية في هذا الصدد، بالتعاون مع الخبراء العرب في الداخل والخارج. وبسبب غياب هذا الجهاز، فالمهمة تقع على مراكز الدراسات الأميركية (حالياً 5 أو 6)، بنوك البحث وحتى بعض المعاهد الدبلوماسية لعقد اجتماع سريع وإعداد خطة حول أجندة عربية محددة واقتراح سبل شرحها للرئيس القادم ومعاونيه. في غياب أسلوب عمل تحديد الأولويات، سيستمر الارتجال العربي المضر في مواجهة البنود، حتى تتحول إلى أزمات وانتكاسات.