حول التقرير السنوي لمنظمة "مراقبة حقوق الإنسان"
تشهد حركة حقوق الإنسان تنامياً ملحوظاً على المستوى الدولي، حتى أصبحت حقوق الإنسان أحد أهم المعايير الدولية لتقييم وتقويم النظم السياسية في العالم. وعلى المستوى الداخلي، أصبح الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان شأناً مجتمعياً بعد أن كان نخبوياً. ويتطلع كافة المعنيين بهذه القضايا وأصحاب القرار إلى التقارير الدولية الرسمية الصادرة عن المنظمات غير الحكومية، والتي تحظى باحترام دولي لموضوعيتها المفترضة وحياديتها، وقبل كل ذلك مصادرها الموثوقة، مع ملاحظة أنه مع صعود موجة حقوق الإنسان دولياً، طورت عدد من الدول نظاماً معقداً يعترف ببعض الحقوق، ويتجاهل الأخرى، ويعترف أحياناً بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بينما يتجاهل الحقوق السياسية والمدنية، في الوقت الذي يجب الإقرار بوجود صعوبات وإشكاليات حقيقية تنطوي عليها الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وقبل ذلك السياسية للعدد الأكبر من الدول، والتي تُعد إشكالية في حد ذاتها، خاصة عند النظر لقضايا حقوق الإنسان بالمنظور العالمي، الذي تستند إليه تقارير المنظمات الدولية.
فحركة حقوق الإنسان في إطارها النظري وأسلوب عملها وتوجهاتها، لا تتخذ، ولا يجب أن تتخذ مواقف مسبقة، إزاء هذه الحكومة أو تلك، بل تقف مع الإنسان وحقوقه وتعري انتهاكاته أينما وحيثما وكيفما خرقت، وهو أمر نجده على رأس أولوياتها، وهو ما يُفترض أن تلتزم به في إطار متوازن، ودون تردد أو مجاملة... كل ذلك دون الدخول في المناطق الرمادية لتسييس حقوق الإنسان، وهي الإشكالية التي غالباً ما تقع فيها المنظمات العاملة في هذا المجال، نتيجة لاستخدام تقاريرها في ممارسة الضغوطات السياسية على الدول في علاقاتها، مما يدفع بتهمة التسييس على تقارير المنظمات الدولية.
وتُصدرُ منظمة "مراقبة حقوق الإنسان" Human Rights Watch تقريراً سنوياً يرصد انتهاكات حقوق الإنسان في عدد من دول العالم، إضافة إلى تقارير متفرقة على مدار السنة، وفي 31 من يناير المنصرم، أصدرت المنظمة تقريرها السنوي الذي يغطي عام 2007، والذي حمل عنواناً مثيراً هو "التظاهر بالديمقراطية يقوض الحقوق"، حيث تتعرض لأوضاع حقوق الإنسان في 75 دولة بما فيها الولايات المتحدة، وتغطي 13 دولة في الشرق الأوسط بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي هذا المقام نحن معنيون بالنظر إلى أوضاع حقوق الإنسان في الدولة كما يرصدها تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان.
يبدأ التقرير واصفاً اقتصاد الدولة بالنمو الهائل فيما يشير إلى أنه "لا يزال المجتمع المدني يتسم بالركود، كما كان التقدم بطيئاً في مجال حقوق الإنسان". ثم يعرج على انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، التي أسفرت عن انتخاب 20 عضواً من مجموع 40 بواسطة هيئة انتخابية بلغ عددها 6595 مواطناً من مجموع سكان الإمارات، ويُقسم التقرير إلى عدد من المواضيع: حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير، العمالة الوافدة، الاتجار بالبشر، والأطراف الدولية الرئيسية. بالنسبة لحرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير، يعيد تقرير هذا العام ما سبق وذُكر في تقرير العام الماضي عن إنشاء "جمعية الإمارات لحقوق الإنسان"، ليكرر معلومات سبق ذكرها حول إنشاء منظمات أخرى لحقوق الإنسان لم يتم البت فيها حتى الآن، لينتقل إلى مسألة حرية التعبير بالحديث عن محاكمة صاحب موقع إليكتروني وعدد من الصحافيين، ومن ثم الحديث عن أوامر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بعدم سجن الصحافيين لأسباب متعلقة بعملهم، فيما كرر التقرير- وللعام التالي- تسمية مدافعين عن حقوق الإنسان تعرضوا لانتهاكات غير قانونية، وكرر كذلك الحديث عن "مدينة الأمل" باعتبارها المأوى الوحيد بالبلاد للنساء والأطفال والخادمات المنزليات، مع إشارة إلى إنشاء "مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال".
ينتقل التقرير للحديث عن العمالة الوافدة، ليبدأ باستعراض نسبة العمالة التي يقدرها التقرير بـ99 في المائة من قوة العمل في القطاع الخاص، ليكرر من جديد ما جاء في تقارير المنظمة السابقة حول أوضاع العمالة الوافدة في الدولة، مشيداً في الوقت نفسه بتحسين ظروف معيشة العمال نتيجة للإجراءات التي اتخذتها الحكومة تجاه الشركات المخالفة وتحديد ساعات العمل في أوقات الصيف، ثم يشير التقرير إلى قانون العمل المعدل واصفاً إياه بأنه "أقل بكثير من المعايير الدولية في عدة مجالات مهمة. ولا يحتوي على أحكام خاصة بحقوق العمال في التنظيم أو التفاوض الجماعي، ويسمح بصراحة للسلطات بأن تعاقب العمال المضربين، ويستبعد بشكل تعسفي من مجال تطبيقه كل الخدم المنزليين في المنازل الخاصة". ويعتبر التقرير أن عقد الخدم النموذجي المعتمد في دوله الإمارات، ينص على بعض أنواع الحماية، لكنه لا يقيد ساعات العمل، ولا توجد به أحكام محددة خاصة بيوم الراحة أو العمل الإضافي، ولا تعويض للعمال، بل مجرد "ساعات راحة مناسبة غير واضحة المعالم ". وفي الإجمال لا تعتبر المنظمة العقد بديلاً عن تدابير الحماية التي توفرها قوانين العمل المعتمدة في الدول.
يستند التقرير إلى ما ورد في تقرير وزاره الخارجية الأميركيه حول موضوع الاتجار بالبشر مستعرضاً ما جاء في التقرير الأميركي، دون أن ينفرد بمعلومات مستقلة عن هذا المصدر. وفي النهاية يشير التقرير إلى علاقات الإمارات الدولية وإلى انضمام الدولة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إلا إنها لم توقع بعد على عدد من المواثيق الدولية الرئيسية الأخرى في مجال حقوق الإنسان.
بشكل عام لم يحوِ التقرير الخاص بدولة الإمارات جديدا، فركز على القضايا ذاتها، التي احتوتها تقارير السنوات الماضية مع إشاده لا تذكر بالخطوات المتخذة في الدولة لتحسين أوضاع العمال أو خدم المنازل. وغابت ملفات عن التقرير كان ولا بد أن تحضر استناداً إلى عنوانه العام ، فيما تم التركيز على مواضيع محددة بتكرار غريب خاصة قضايا العمالة الوافدة، التي قتلت بحثاً من قبل المنظمة، لذا كان من الأجدى والأجدر لها أن تلتف لقضايا أخرى، أو أن لا تُضمن تقريرها السنوي تقريراً عن دولة ما لم يحمل جديدا.