وداعاً للمرشحين الرئاسيين جون إدواردز ورودي جولياني في الجولة التمهيدية الحالية. وفيما يبدو فقد بدأ السباق الرئاسي بالضمور الواضح الآن، قياساً إلى الحملات السابقة التي يصمد فيها حشد من المتسابقين حتى قبيل المعركة النهائية الفاصلة. فإذا كان المرشح "الجمهوري" مايك هاكابي لا يزال صامداً حتى هذه اللحظة، فما ذلك إلا بسبب وجود إيمان ما بالمعجزات، أو لخواء الساحة الانتخابية من المرشحين المؤهلين للتصدي لمهام بعينها. وإلى ذلك يتوقع أن يظهر المرشح رون بول في المناظرات الجمهورية المقبلة، بينما قيل عن زميله مايك جرافل إنه شوهد مؤخراً وهو يهيم على وجهه في أحد الطرق السريعة بولاية فلوريدا. وعلى أية حال، فمما لا شك فيه أن عدد المرشحين الرئاسيين قد تقلص إلى أربعة فحسب. أما في الجانب "الديمقراطي"، فالملاحظ أن المناظرة الأخيرة لم تشمل سوى مرشحين اثنين هما هيلاري كلينتون وباراك أوباما. وفي حين تزداد حدة الغضب والمرارة بينهما، فإنه لا وجود لهذه المشاعر بين الناخبين "الديمقراطيين". وللحقيقة فقد مرت فترة طويلة لم نر فيها كل هذا الحماس والتدافع نحو صناديق الاقتراع من قبل الناخبين الأميركيين. وكما قال لي مايك شيرزان، وهو ناخب "ديمقراطي" من ولاية إيوا، كان ممن صوتوا لصالح جون إدواردز في حين وقفت زوجته إلى صف هيلاري كلينتون وابنه إلى جانب أوباما، "فإنه سوف يكون من مصلحة هذين المرشحين وحزبهما، أن يبذلا ما يكفي من الجهد لتشجيع سيادة هذه الروح الطيبة بين ناخبيهما". وفي وسع هيلاري كلينتون أن تبدأ هذه المحاولة بتطهير حملتها الانتخابية من شعورها المستمر بأن المنصب الرئاسي لها وحدها، وأن كل من يقف عقبة أمام وصولها إليه، إنما هو شخص شوفيني أخرق تجب إزاحته. ومن الخطأ أساساً أن تدير كلينتون حملتها تحت شعار "صوتوا لهيلاري... فكروا في كل ما مرت به". أما فيما يتعلق بمنافسها باراك أوباما، فإنه ربما كان من الحكمة أن يعترف ولو لمرة واحدة -مع استبعاد ترجيح هذا- أن في إمكان الإنسان التطلع إلى مستقبل باهر، من خلال الإدلاء بصوته لصالح شخص آخر. لكنه قال لجمهرة من مؤيديه يوم الأربعاء الماضي: "يبدو الأمر كما لو كان تضاداً بين الماضي والمستقبل". ومع أنه لم يرد في حديثه أي ذكر لأسماء، إلا أنه وصف "البعض" بالحماس والرغبة في إحداث تغيير محدود في المستقبل، دون أن تمنعهم تلك الرغبة من التطلع الدائم إلى الماضي، ومن الحنين إلى بناء جسر ما، مع أمجاد القرن العشرين. ومثل هذا الحديث هو الذي يصيب مؤيدي هيلاري كلينتون بشيء من الاكتئاب. فمع أن التغيير أصبح رغبة مشتركة لدى الجميع تقريباً، فإن في حديث أوباما، ما يشعر مؤيدي منافسته هيلاري وكأنها عمة مسنة لا تسمح للأولاد بالتعبير عن مواهبهم الموسيقية في المنافسات الخاصة التي تقام لعرض هذه المواهب. وكما تابعنا يوم الأربعاء الماضي في ولاية كولورادو، فقد سلمت كارولين كنيدي شعلة القيادة مجدداً، إلى جيل من الشباب المؤيد لباراك أوباما، خلال موكب شعبي خاص نظم له بساحة جامعة دنفر، قدر عدد المشاركين فيه بنحو 18 ألفاً. وفي الحقيقة فإن هذا الارتباط بين كنيدي وأوباما، يعد عاملاً محورياً محركاً لمجمل حملته الانتخابية. وتفسر هذه الرسالة بأن الشعب الأميركي قد ظل هائماً على وجهه في صحراء التيه لما يزيد على عقد من الزمان، وأنه لا يزال يتطلع إلى زعيم ملهم يقود أمته إلى علياء المجد. غير أن مأثرة الرئيس الأسبق فرانكلين كنيدي لم تكن في رفع أبصار الأميركيين وتوقعاتهم إلى السماء فحسب، وإنما لكونها سلة ملأى بالأحلام والتطلعات والواقعية وقوة الإرادة والعمل. والذي يثير حفيظة البعض من الناخبين "الديمقراطيين" تجاه أوباما، أن يبيعهم الساسة والمرشحون شهد الكلام وحلو الأماني والتطلعات، لا أكثر! ـــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"