هل بوش شيطان، كما وصفه هوجو شافيز ذات مرة، ليُستقبل أثناء زيارته لدول المنطقة مؤخراً، بقذيفة في غزة، واعتصام في المنامة، ومطالبة نائب مصري بمنعه من دخول مصر، ناهيكم عن "مانشيتات" صحفية بـ"لا أهلاً ولا سهلاً" وأطنان من الشتائم في الإنترنت؟ من الطبيعي أن يقع سيد البيت الأبيض، وفي الزمن الأميركي، في الأخطاء، فمن يعمل يُخطئ، ومن لا يعمل، مثل بوتين أو هو جينتاو، لا يخطئ كثيراً. ولسوء حظ "الشافيزيين"، أن الذاكرة الإنسانية لا تزال تتذكر زعماء دول، كانت عظمى، ارتكبوا فظائع تعتبر أخطاء بوش مقارنة بها "لعب عيال"، وكفى بهتلر وستالين مثلاً. بل إن زعماء دول بالكاد كانت تستطيع أن تدافع عن حدودها، ارتكبوا ما لم يرتكبه عشرة من بوش مجتمعين، كصدام وميلوسيفيتش. لكن من يجرؤ على ذكر حسنات الرجل؟ من يذكر أنه لولا بوش لكان بن لادن يصول ويجول في دول المنطقة على ظهر حصان. فهو الذي قطع عليه الطريق حين كان في مرحلة التكتيك، وهي تسبق مرحلة "التمكين في الأرض". ومن يقول إن بوش تسبب في انتشار الإرهاب في العالم لأنه "أثار عش الدبابير الإرهابيين"، فقد مدحه حين أراد ذمه، فمباغتة الدبابير خير من تركها تبني أعشاشها في كل مكان ثم تختار هي ساعة الصفر لتلسع الجميع. ومن يذكر أن بوش أزاح نظاماً قادماً من القرون الوسطى يغلق مدارس البنات ويمنع النساء من العمل ويحطم أجهزة التلفزيون ويجبر الرجال على إطلاق اللحى ويفرش السجاد الأحمر لثلة من الحاقدين ممن لفظتهم مجتمعاتهم بعد أن خرجوا على القانون ليشفوا غليلهم على حساب مستقبل ملايين الأفغان ممن يختلفون أصلاً مع رؤى أو بالأحرى خزعبلات "طالبان"؟ ومن يذكر أيضاً أنه فتح للعراقيين باباً للمستقبل كان مقفلاً زمن صدام الذي كان سيموت حتف أنفه يوماً ما ليخلفه عدي، ثم قصي... وهلم جرا. وإذا كان بعض العراقيين يحنّون لأيامه الخوالي، خصوصاً ممن كان "مسقوفهم" جاهزاً و"كبابهم" ينتظرهم على العشاء، فهناك آخرون لا يزالون يلعنون أيامه. والوضع الجديد، على علاته، قد يتحسن يوماً ما، وهو ما لم يكن ليحدث بوجود ذلك النظام البائد. وإسقاط صدام أيضاً، أراح الخليجيين والكويتيين خاصة، فهو الذي غزا بلادهم وشرّدهم، ثم أخذ يتلاعب بمسألة الاعتراف بدولة الكويت حتى وهو معزول عن العالم، فجعلهم يحبسون أنفاسهم عقداً من الزمن خشية أن يكرر حماقاته. ومن يذكر أن بوش يقف، وبحزم، للنظام الإيراني المشاغب والمتمدد مثل الأخطبوط، والذي تأسس على قواعد غاية في الخطورة مثل "تخوين" الدول العربية ودعوة شعوبها إلى "قلع" حكوماتها. وفي اللحظة التي تتقوقع فيها أميركا على نفسها، كما يتمنى بعضهم، سيخلو الجو للنظام الإيراني ليبيض ويصفر كما يقولون. وحتى في القضية الفلسطينية، ينبغي أن يُنظر إلى بوش باعتباره رئيساً أميركياً، أي أنه مهما "راح فوق أو نزل" فهو محكوم بالسياسة الأميركية تجاه هذه القضية والمستمرة منذ 60 عاماً، وعلى الرغم من هذا، فهو أول رئيس أميركي يعلن بأنه مع قيام دولة فلسطينية. بوش ليس ملاك رحمة لكنه في الوقت نفسه ليس الشيطان الرجيم، هو رئيس القوة العظمى الوحيدة في هذا العالم الذي لن يسوده السلام والاستقرار من دون ثمن، ومن دون أخطاء... ومن دون حسنات أيضاً.