افتح "الطاقة" ترى الطاقة
افتح الطاقة لترى نور الشمس، لترى الحياة وصيرورتها، وافتح طاقة عقلك للتَّفكر في الطاقة، فكل حركة يقوم بها الإنسان تحتاج إلى استهلاك نوع من أنواع الطاقة. ويستمدُّ الإنسان طاقته لإنجاز أعماله البدنية والذهنية من الغذاء المتنوع الذي يتناوله كل يوم، إذ يتمّ حرق الغذاء في الجسم ويتحول إلى طاقة تحرُّكه. وإذا كانت الطاقة تُعَرَّف بأنها القدرة على إحداث حركة في الأشياء، فإن كل ما يحيط بالإنسان في حاجة إليها لأداء وظيفته.
وتتنوع مصادر الطاقة، فهي تأتي من الرياح والماء، ويمكن أن تكون مخزونة في مادة كالوقود التقليدي من نفط وفحم وغاز، ويمكن أن تنتج من تفاعل مواد انشطارية فتنج طاقة نووية. ومن هنا تأتي الطاقة كأحد المقومات الرئيسية للمجتمعات العصرية التي تحتاج إليها كافة قطاعات المجتمع في تسيير الحياة اليومية من خلال استخدامها في تشغيل المصانع وتحريك وسائل النقل المختلفة وتشغيل الأدوات المنزلية، وفي غير ذلك من الأغراض. وتعتبر الطاقة محوراً أساسياً في معادلة التقدم والرقي الاقتصادي والاجتماعي، حيث تشكِّل مؤشراً مهمَّاً على تقدم أية دولة من خلال معدّل نصيب الفرد من الطاقة المستهلَكة، كما تتوقف عليها عملية التنمية بمفهومها الشامل. ويستخدم العالم اليوم بنسب متفاوتة مصادرَ عديدة لإنتاج الطاقة من النفط، والفحم، والغاز، ومصادر الكتلة الحيوية، والمحطات المائية، والمحطات التي تعمل بالطاقة النووية، لندرك أن الطاقة باقية لضرورتها الحتمية للحياة وإنها قد تتغير من أولوية مصدر إلى مصدر أو تعود إلى مصادر قديمة ومتنوعة ولكن الطاقة تتطور وسوف تبقى صنواً للحياة.
وافتح "طاقة" التاريخ ليخبرك بأن العالم على مر العصور دخلت كياناته، من إمبراطوريات ودول وجماعات، في حلقات من التنافس والصراع على الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، فقد وَجَدت في البهارات سبباً قوياً للصراع على منطقة الهند في الماضي. وكما في الزراعة، كانت المواردُ الطبيعية من أخشاب وأحجار كريمة وذهب ومياه وغاز ونفط ويورانيوم ومواقع استراتيجية، ومازالت، السببَ الرئيسي للصراع والتنافس وللتعاون أيضاً، وإنْ كانت هناك عواملُ ثقافيةٌ وعقائدية قد تتداخل في الأسباب الرئيسية. فبينما كانت رحى الحرب العالمية الأخيرة تدور، كان هناك في الغرب من انبرى للنظر في أسباب الحروب ومراجعتها، وتوصل إلى أن الموارد الطبيعية هي السبب الرئيسي لذلك، ومن هنا جاء بنظرية الاعتماد المتبادل في العلاقات الدولية، التي تعمل على تثبيط الحرب وأسبابها من اعتبار أن ما يسبب الصراع أو الحرب، هو ما ينبغي أن يحفز على التعاون، حيث تكون المكاسب من نصيب الجميع. وأصبح الاعتماد المتبادل بين الدول في صورة مركبة ومعقدة، مما أَبعد أيَّ تصور لاندلاع حرب على مستوى عالمي، كما انعدمت إمكانية الحرب هذه بسبب التكنولوجيا النووية، التي تجاوزت في قدراتها العالمية اليوم إمكانية معالجة الطبيعة لآثارها وعودة الحياة إلى الأرض.
ورغم أن هناك في عالمنا اليوم العديد من الصراعات على الموارد الطبيعية والتكنولوجيا والأسواق والمواقع الاستراتيجية، فإن حالات الاعتماد المتبادل تصور العالم على أنه عالم متعاونٌ أكثر منه متصارعاً. وفي هذا السياق أبدى العالم اهتماماً بفتح "طاقة" استشراف مستقبل الطاقة، وتحرك أصحاب المال والتكنولوجيا لفتح أفق جديدة في هذا المجال. والحقيقة أن ما يشهده العالم اليوم من طلب كبير ومطَّرد على الطاقة المتعددة والموارد الطبيعية من نفط وغاز، وعلى المياه والأخشاب والحديد وغيرها من الموارد الطبيعية، يعود إلى التحول الكبير نحو الأنظمة الرأسمالية والصناعة وما نتج عنه من طفرات في التنمية الاقتصادية. وقد وصل العالم بطلبه هذا إلى درجة استنزاف الموارد، وهو ما أدى إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ والتلوث، فظهرت حاجة ماسة إلى تَطلُّع الخطط والتنمية في الدول الكبرى والمتقدمة والغنية بالدرجة الأولى إلى مصادر متجددة أو متعددة للطاقة تخفف من عبء الاستنزاف والعواقب المناخية، ولتقليص الطلب الكبير على النفط والغاز ولترسم مستقبل الطاقة من خلال التعاون والتضافر الدولي بين الدول المتقدمة والغنية، وحتى الدول الفقيرة، ومع أصحاب التكنولوجيا والمال في هذا المجال وتطويره من أجل التوصل إلى طاقة مستقبلية أقل تلويثاً للبيئة، وتستطيع أن تحل محل النفط والغاز الآيلين إلى زوال.
كثيرة هي بدائل الطاقة التي تختلف في قيمتها الاقتصادية والتلوثية أيضاً، فهناك طاقة "الإيثانول" التي تخرج من الذرة الشامية. ففي ولاية كاليفورنيا الأميركية مثلاً ستبدأ جميع مصافي الولاية التي تنتج البنزين بإضافة نسبة من "الإيثانول" إليه لتلبية المعايير الجديدة للوقود وللتخفيف من استخدام البنزين، وهو ما يتوقع أن يدخل السوق في نهاية 2009. إلا أنه حسب مصادر أميركية، فإن هذه الطاقة ستستنزف المياه والأراضي، وربما تجعل العالم في عطش كبير إذا تم الاعتماد على "الإيثانول". أما الطاقة الهيدروجينية، فإن استخراجها من الأحافير والطحالب البحرية سوف يؤدي إلى صراعات بحرية ومن ثم الاستنزاف. وما زالت الطاقة الهيدروجينية محل جدل كبير، إلا أنها على قدرة عالية في توليد الطاقة، وتأتي طاقة الرياح لتثبت جدواها، ولكن في توليد طاقة محدودة تساعد في التخفيف من الاعتماد على الطاقات الأخرى، ولا ينتظر منها أكثر من ذلك رغم أهميتها، وهو الدور الذي يلعبه الفحم الحجري وحتى النباتي، وإنْ كان ملوثاً عكس الرياح.
وتتقدم الطاقة النووية السلمية كبديل ناجع للطاقة واستخداماتها المتعددة رغم أنها تحتاج إلى أطر من الأمن والسلامة والحيطة، ولكنها بصدد تطوير سبُلها، فحتى الدول المالكة لها، لم تستغن عن النفط والغاز والفحم كمصادر أساسية للطاقة، وفي الوقت الحالي هناك رغبة كبيرة لدى الدول في الحصول على التكنولوجيا النووية السلمية، وذلك بالتأكيد لتأمين الطاقة في المستقبل، كما أن الشركات التي تستطيع إقامة مراكز نووية سلمية تبحث في تسويق هذه المحطات التي قد تصطدم بحلقات سياسية صراعية متعددة.
ولمواجهة المتطلبات في مجال الطاقة وما يصحبها من دعوات لحماية البيئة أَدخلت صناعة السيارات في العالم أنواعاً تعمل بالغاز وأخرى تعمل بمزيج من الإيثانول والطاقة الهيدروجينية والكهربائية، بل إن هناك من صَنع سيارةً تعمل بالطاقة الشمسية. وتعد هذه الأخيرة من مصادر الطاقة الواعدة بسبب ديمومة المصدر والتقدم العلمي والتقني، وذلك بتسخير الشمس وتحويل أشعتها إلى طاقة كهربائية عبر خلايا السيلكون، بواسطة تقنية متطورة تشكل في حد ذاتها صناعة استراتيجية. ولا يُتوَقَّع أن يحصل كل العالم على طاقتها، لأن أشعتها تتوزع بصورة غير متساوية، وهو ما سيؤدي إلى التنافس والتعاون بين الدول المختلفة التي قد تدخل من جديد في علاقات اعتماد متبادل للاستفادة منها.
لقد تحولت الطاقة من مجرد مصدر للحركة إلى عنوان للتنافس والصراع بين القوى، بل وسبب في خوض الحروب من أجل ضمان وصولها إلى مستهلكيها، وأصبحت متطلبات التصنيع أكثر مما يمكن أن تلبيه المصادر المتاحة اليوم، لذلك فإن السعي حثيث لبحث السبل الكفيلة بضمان تدفق الطاقة في شريان النشاط البشري.
وها هو الإنسان في سعيه الدؤوب إلى إشباع طمعه يريد أن يُطبِق الآفاق، فبعد أن استنزف خيرات الأرض أخذ يحدّق في السماء، وبعد أن اِغْبَرَّ وجههُ بسواد الفحم ها هو يرنو إلى وَهَج الشمس.