هل يمكننا، ضمن مقال مختصر كهذا، أن نعرض حياة وواقع وكفاح المرأة في العالم العربي والإسلامي، خلال عام 2007 المنصرم؟ كيف ودعت المرأة هذا العام؟ ومِمَّ تعاني اليوم وسط هذه الصراعات المستعرة؟ هل جنت شيئاً ذا بال من حملة "نشر الديمقراطية" مثلاً، أو استفادت من قوانين إنصاف المرأة الصادرة عن الهيئات الدولية؟ ما مشاكل المرأة في الحياة السياسية وفي ميادين العمل ومع التوجهات المتزمتة والقوانين المعيقة؟ سأحاول اختيار بعض الوقائع والحقائق من الكويت والمملكة العربية السعودية وإيران وأفغانستان! وقد لفت نظري منذ فترة ليست بالقصيرة أن الكثير من تفاصيل حياة المرأة في العالم الإسلامي بالذات لا تزال مجهولة في وسط الجماعات الإسلامية بالذات، فأحوال المرأة، وهي نصف "الأمة الإسلامية"، لا تعنيهم إلا بالقدر الذي يفيد أجهزة هذه الجماعات وخطبها وأشرطتها. أما واقع المرأة في بلدان العالم الإسلامي الخمسين، ومعاناتها السياسية والاجتماعية والمعيشية والقانونية والتعليمية والصحية، فهذه كلها جوانب لا تكترث هذه الجماعات بها، إذ لا يمكن توظيفها في حرب الإسلاميين المستعرة ضد معارضيهم. تتنوع مشاهد واقع المرأة في هذه البلدان بين السلب والإيجاب من دولة إلى أخرى، ومن قارة لأخرى. ففي تركيا مثلاً، يشار إلى بروز ظاهرة اجتماعية سياسية في غاية الأهمية لدى الأتراك رافقت نتائج الانتخابات، وهي نجاح خمسين سيدة من مختلف الأحزاب والتيارات السياسية في اقتحام باب مجلس النواب التركي الجديد. هذه هي المرة الأولى في تاريخ تركيا الحديث- يقول أحد الكتاب- التي يرتفع فيها عدد البرلمانيات التركيات إلى هذا الرقم، لتكون بعد العراق ثاني أعلى نسبة للمشاركة النسائية بالمجالس النيابية في المنطقة. المرأة الخليجية التي عجزت في عدة دول عن "اقتحام البرلمان"، ومنها الكويت، تزداد تأييداً فيما يبدو لفكرة إقرار "الكوتا" قانونياً، وتقرير نسبة من المقاعد للمرأة، إذ لا تبدو احتمالات فوز النساء بها وسط منافسة الرجال مهمة سهلة التحقيق في المستقبل القريب.. ولابد من إقرار هذه "الكوتا". وينص القانون المقترح في هذا المجال على أن لا يقل حجم مشاركة المرأة في مجلس الأمة عن 20 في المئة كحد أدنى حيثما كان هناك ترشيح للنساء، وإلزام القوى السياسية المشاركة في الانتخابات بأن تكون ضمن مرشحيها نسبة معينة للنساء ووضع النساء في مقدمة قوائمها الانتخابية، وتخصيص مقاعد للنساء يتنافسن عليها مباشرة، وأخيراً اعتماد "الكوتا" لفترة دورتين انتخابيتين فقط، على أن يتولى برلمان الدورة الثانية النظر في موضوع تمديد استمرار العمل بهذا النظام. وترفض د. ميمونة الصباح ما يُقال إن تطبيق نظام "الكوتا" في الكويت سيؤدي إلى دخول بعض النساء غير الكفؤات للعمل البرلماني، "لأن النظام يعني تخصيص نسبة معينة من مقاعد البرلمان للمرأة على أن يتم الانتخاب بالطرق الصحيحة المعتادة، وهو ما ينفي إمكانية وصول غير الكفؤات". غير أن تطبيق نظام "الكوتا"، تضيف د. ميمونة، يستوجب تعديلاً في الدستور الكويتي، وهو "أمر صعب في ظل الظروف الحالية". وعن مشاكل نظم "الكوتا" الأخرى تلاحظ د. "هيلة المكيمي" أن المرأة مطالبة، وخاصة المرشحات، برفع ثقافتها السياسية، "فنحن نريد من تصل إلى البرلمان أن تكون ذات كفاءة وتمثلنا تمثيلاً مشرفاً"، وتضيف أن هذا النظام يجب تطبيقه في جو صحي، "ونحن لا نعيش اليوم أجواء صحية حيث الممارسات الطائفية والقبلية، وأخشى أن دخول المرأة للبرلمان يكون تكملة لدعم القوائم المناطقية أو القبلية السياسية". وفي الخليج ودول مجلس التعاون تشتد كذلك، وخاصة في المملكة العربية السعودية، الشكوى من المعوقات الاجتماعية والقانونية التي تحد من زيادة دائرة عمل السعوديات. وتقول د. نسرين الدوسري، رئيسة لجنة سيدات الأعمال بالغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية، "إن مشاركة السعوديات في سوق العمل المحلي لا تزيد عن 14% في القطاع الحكومي وفقط 0.5% في القطاع الخاص". ومعروف أن أكثر المجالات المهنية التي تشهد اكتساحاً هائلاً من قبل الفتيات في المملكة، كما تؤكد السيدة "لما سليمان" عضوة مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة، هو مجال المحاسبة! وتعكس الإحصاءات طبيعة مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، في المملكة، حيث بلغت نسبة الخريجات 56.5 % من مجموع الخريجين، وتشكل المرأة 14.11 % من القوى العاملة، وتبلغ مشاركتها في قطاع الدولة 30%، وفي قطاع التعليم بالذات 84.1 %، وأن 40% من نسبة الأطباء السعوديين من النساء، وأكثر من 20 % من الأموال الموظفة في صناديق الاستثمار تعود إلى النساء، وتملك سيدات الأعمال السعوديات نحو 20 ألف شركة ومؤسسة صغيرة ومتوسطة. ورغم ارتفاع عدد السعوديات في مجال الطب إلا أن عددهن ونسبتهن في تراجع شديد في مجال التمريض كما هو الحال في دول الخليج الأخرى. وكان عام 2007 للنساء الإيرانيات عام تضييق على ما تبقى من هوامش الحرية الباقية، وقد هدد المدعي العام الإيراني، كما جاء في الصحف، بـ"أن النساء اللاتي يتكرر عدم التزامهن بالزي الإسلامي، في تحد للإجراءات الصارمة التي تفرضها الشرطة، قد يُمنعن من دخول العاصمة الإيرانية طهران، لمدة تصل إلى خمسة أعوام". وذلك فيما تزايدت احتجاجات الطلبة والطالبات على الإجراءات الجديدة المتعلقة بالتشدد في تطبيق معايير اللباس الإسلامي في إيران. وسلط الإعلام بعض الأضواء على واقع المرأة في أفغانستان حيث تواصل هناك كفاحها اليومي المر في وجه التخلف والتعصب وإرهاب جماعات "طالبان". وتقول باحثة أميركية إن وضع المرأة الأفغانية قد تحسن ثلاث مرت خلال القرن العشرين، وفي كل مرة تقابله انتكاسة؛ الأولى كانت خلال العشرينات حينما ألغى الملك "أمان الله خان" غطاء المرأة في الأماكن العامة، وشجع زوجته على ارتداء قبعة من دون برقع، ولكنه أخرج من الحكم على يد الملالي. وتحسن وضع النساء ثانية خلال ستينات القرن، حيث انتخبت أربع نساء إلى البرلمان. أما المرة الثالثة، فكانت خلال الحكم الشيوعي في الثمانينات عندما تعززت حقوقهن كثيراً، ومُنع ارتداء البرقع وتولت أكثر من خمسين امرأة منصب القضاء، واحتلت نساء كثيرات مواقع إدارية رفيعة ووظائف في الشرطة والرعاية الصحية وغيرها. ولكن ما إن وصلت "طالبان" إلى الحكم عام 1996 حتى منعت تعليم النساء بما في ذلك البنات الصغيرات، وتم طرد النساء من معظم الوظائف وأجبرن على تغطية وجوههن بارتداء البرقع أحياناً والغطاء الشامل. وتسعى المرأة الأفغانية منذ سقوط حركة "طالبان" الأصولية عام 2001 من أجل دور أكبر في بناء المجتمع المدني والمشاركة في السياسة. ويتركز جهد النساء والدولة معاً، على خلق الفرص الاقتصادية، وإعادة الفتيات إلى المدارس رغم التهديد الدائم من إرهاب "طالبان" واغتيال المدرسات وحرق المدارس التي هي عبارة عن خيام في بعض المناطق. ورغم ذلك- وكما جاء في تقرير صحفي- "فإن مزار شريف، وهي رابع أكبر مدن أفغانستان من حيث عدد السكان، ويبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة، تشهد اليوم ثورة في البيزنس الحريمي، بعد أن افتتحت خمس نسوة فيها خمسة متاجر يدرنها بأنفسهن. وما حدث هو نوع من الانقلاب على الموروث التقليدي، وتبيع هذه المتاجر اللوازم النسائية". ورغم المكاسب الكبيرة للمرأة في العراق ومشاركتها الضخمة في البرلمان، فقد هدد قائد شرطة البصرة بأنه سيقود حملة لحماية المرأة بعد أن بلغ عدد اللواتي تعرضن للقتل خلال الأشهر الخمسة الماضية أكثر من خمسين امرأة، ليس بينهن من قتلت بدواعي غسل العار، بل كن يخطفن أو يقتلن في الأسواق، حيث إن غالبية "الأحزاب الإسلامية"، في البصرة، لديها اليوم "فرق خاصة" تقوم بالقصاص من حاسرات الرؤوس مثلاً، بل ويعتبر البعض مثل هذه الجرائم عملاً يؤجر عليه صاحبه. ولكن هذه الجوانب السلبية والحقائق المحبطة، وإن كانت طاغية ومؤثرة جداً، لا تشكل كل حياة وواقع المرأة في العالم العربي والإسلامي.. فالصراع لا يزال مستمراً.