يتأهب علماء الفلك لمفاجآت جديدة، قد تكشف عنها مهمة المركبة الفضائية "ميسينجر" التابعة لوكالة" ناسا" التي انطلقت أول من أمس الاثنين في أولى الرحلات التي تقوم بها مركبة استكشاف فضائية "روبوتية" تابعة للوكالة إلى كوكب "عطارد" منذ 33 عاما.ً حسب برنامج الرحلة، كان من المقرر أن تقوم المركبة- في تمام الساعة 2:04 بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة- بالمرور بسرعة خاطفة تصل إلى 141 ألف ميل أمام الكوكب، وعلى بعد 124 ميلا من سطحه. وهذا المرور الخاطف أمام الكوكب، هو الأول من بين ثلاثة ستنجزها المركبة، تمهيداً للدوران في مدار ثابت حول الكوكب اعتباراً من مارس 2011. ويقول العلماء المشرفون على تلك الرحلة إنه قد جرى ضبط الكاميراً المثبتة في المركبة، بحيث يمكنها التقاط ما يزيد عن 1200 صورة مفصلة شديدة الدقة لمساحات شاسعة من سطح الكوكب. وهناك أدوات أخرى مثبتة في المركبة يمكن بواسطتها إجراء أول تحليل للفلزات والعناصر الكيماوية الموجودة فوق سطح الكوكب، وكذلك قياس جاذبيته، ومجالاته المغناطيسية. وهذا كله سيساعد العلماء في الإجابة على السؤال الذي حيرهم طويلاً وهو: ما الذي يمكن أن يكشف عنه هذا الكوكب الغريب بشأن الكيفية التي تطورت بها المنظومة الشمسية، وعلى وجه الخصوص كواكبها الصخرية الداخلية؟ "لفترة طويلة ظللنا ننظر إلى عطارد كما لو كان سندريلا المنظومة الشمسية، حيث كان يعيش دائما في ظل أختيه غير الشقيقتين الزهرة والمريخ... غير أن هذه النظرة قد تتغير الآن. هذا ما قاله "شين سولومون"،الذي يرأس إدارة المغناطيسية الأرضية في معهد "كارنيجي" في واشنطن، ويشغل في نفس الوقت وظيفة المفتش الرئيسي لمهمة "ميسينجر". ويقول "دانيال باكر" الذي يرأس مختبر فيزياء الجو والفضاء بجامعة كولورادو في "باولدر" وعضو الفريق العلمي للمركبة ميسينجر:"إن معرفة تفاصيل قصة تطور عطارد يعتبر أمراً جوهرياً لفهم طبيعة الأقمار والكواكب الداخلية للمجموعة الشمسية، علما بأن معرفة أسرار الكواكب القريبة من كوكب الأرض بالذات تعتبر في غاية الأهمية إذا ما أردنا معرفة أصولنا". وكانت رحلة المركبة الفضائية "مارينر 10" خلال عامي 1974و 1975 قد تمكنت من رسم خرائط لـ45 في المئة من سطح الكوكب فقط وهو ما جعل العلماء منذ ذلك الوقت يعتمدون على المناظير المُقَرِبة (التلسكوبات) البصرية واللاسلكية، للكشف عن الأسرار التي لم تتمكن(مارينر) من كشفها خلال مهمتها. تعلق الدكتورة "فيث فيلاس" مديرة مرصد MMT في أريزونا وعالمة الفضاء المشاركة في رحلة "ميسينجر":" إن أول ما يرغب معظم العلماء في معرفته، هو كيف تبدو الـ55 في المئة المتبقية من سطح الكوكب". وعلى الرغم من أن العلماء يعتقدون أنه لن يكون هناك فارق كبير بين ما تم تصويره واكتشافه بواسطة رحلة (مارينر 10) وبين ما لم يتم اكتشافه حتى الآن، فإن الدكتورة "فيلاس" تتذكر حالتين اقتربت فيهما "مارينر" من كوكبي المريخ وظهر خلالهما سطح الكوكب وقد امتلأ بالكثير من الحفر الكبيرة، والتي جعلته يبدو شبيهاً بسطح القمر. في ذلك الوقت، لم يتمكن العلماء من معرفة التفاصيل الدقيقة لذلك سوى بعد الرحلة الثالثة، التي أظهرت وجود براكين، وفجوات، وشقوق متسعة بالفعل. مع ذلك ترى الدكتورة "فيلاس" أن علماء الفضاء لن يتمكنوا من تقديم رأي حاسم حول هذا الموضوع، أو الجزم بأن الجزء المتبقي من سطح عطارد لن يكون مختلفاً عن الجزء الذي سبق تصويره. على مدى سنوات طويلة، دأب العلماء على استخدام نتائج الرصد والمعلومات التي تم الحصول عليها من رحلة المركبة(مارينر) لإعداد أجندة طموحة لمركبات(ميسينجر). أحد محاور هذه الأجندة يتمثل في الأبحاث الخاصة بالمجال المغنطيسي لعطارد، وهو ما يرجع في الأساس إلى أن الكوكب هو الوحيد- بالإضافة إلى كوكب الأرض- الذي يمتلك مجالاً مغناطيسيا كونياً، على الرغم من أن هذا المجال يعتبر ضعيفاً بالقياس إلى المجال الأرضي. وتشير كثافة الكوكب العالية إلى ارتفاع نسبة الحديد في الكوكب، والتي يقدرها العلماء بـ65 في المئة من باطن كتلة الكوكب، ويرجح أنها تملأ 75 في المئة من كتلته الداخلية. ويقول العلماء إن أي مجال مغناطيسي يحتاج إلى إذابة جزء من نواته الداخلية حتى يكون نشطاً، غير أن سطح الكوكب لا يظهر أي علامة تشير إلى حدوث نشاط تكتوني( متعلق بتشوه سطح الكوكب) يدل على حدوث هذا الذوبان. بعض العلماء يعتقدون أن الكوكب قد تجمد بسرعة في فترة مبكرة من تاريخه، وأن نواته الداخلية قد تصلبت، وأن أي حقل مغناطيسي به ليس سوى بقايا علقت في الصخور. ويُشار إلى أن عدداً من علماء الفضاء الذين كانوا يستعينون بتلسكوبات لاسلكية في "بورتو ريكو" ، و"ويست فيرجينيا"، و"كاليفورنيا" قد أكدوا مؤخراً أنهم قد تمكنوا من قياس تغيرات طفيفة في معدل دوران الكوكب، وهو ما يؤشر على وجود نواة ذائبة جزئياً ظلت في حالة ذوبان بسبب مادة الكبريت المعروف أنها تعمل على تخفيض درجة ذوبان مادة الحديد. وكثافة عطارد العالية، وحجمه الصغير، وبعض العوامل الأخرى المتعلقة ببنيته، تجعل من الاحتمال الذي يقول إن الكوكب قد يكون في مكان آخر من المجموعة الشمسية احتمالا قائماً- كما يقول بعض العلماء. وهذا الاحتمال يرجع في جزء منه إلى ما رآه علماء الفضاء في المنظومات الشمسية الأخرى من كواكب غازية عملاقة، تدور في مدار قريب جداً من نجومها الأم، وهي ظاهرة لم يجد هؤلاء العلماء من تفسير لها سوى أن تلك الكواكب قد تكونت في مكان آخر من المجموعة الشمسية ثم انتقلت إلى مواقعها التي توجد بها حالياً. ويمكن أن يكون كوكب عطارد بدوره قد تكون بالقرب من مدار المريخ، ثم ارتطم بجسم آخر أكبر حجماً. ويقول العلماء أن الأثر الذي يمكن أن ينتج عن مثل هذا الارتطام هو تدمير الجزء الأكبر من السطح الأصلي للكوكب، وإطلاق مجموعة من العمليات التي انتهت به في مداره الحالي.