سرني جداً ما جاء في مبادرة وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الخاصة بالحفاظ على اللغة العربية في الإمارات، لأنها جاءت في وقت تعاني لغتنا العربية فيه من إشكاليات عديدة ومقلقة إلى أبعد الحدود؛ حيث غابت اللغة العربية عن الكثير من المؤسسات حتى الإسلامية، وأصبح خطاب الشارع أجنبيا. الطلاب يعانون ضعفاً كبيراً في لغتهم الأم، والشكوى من ظاهرة الضعف الإملائي في جميع مراحل التعليم حتى الجامعة، ولا يقتصر هذا الضعف في أساسيات اللغة العربية وثقافتها، مما يهدد هويتنا ولغتنا بالخطر، لذلك فإن أهمية هذه المبادرة تنطلق من النقاط التي تضمنتها وأهمها: إنشاء مجلس أعلى للحفاظ على اللغة العربية تابع مباشرة لمجلس الوزراء تكون مهامه: وضع السياسات الرامية إلى الحفاظ على اللغة العربية، ومراقبة الحالة الراهنة للغة العربية ورفع التقارير بشأنها، والإشراف على تعريب المصطلحات الأجنبية اللازمة لجميع الحقول سواء الحالية أو الجديدة، وإطلاق حملات التوعية وتنظيم المسابقات الداعمة للغة العربية، وتنظيم جائزة شرفية سنوية تمنح للجهود المبذولة لدعم العربية والحفاظ عليها، وإلزامية تعليم اللغة العربية في جميع المدارس غير العربية، ودعم تأليف كتب اللغة العربية لغير الناطقين بها وتطبيقها على أبناء الجاليات المقيمة، ودعم الجهود الرامية إلى تعريب المنشورات الإلكترونية وتطوير البرمجيات العربية، وتشجيع البحوث والدراسات التي تعالج هذا الموضوع وإنشاء مراكز متخصصة خاصة ضمن الجامعات ومعجم عربي شامل، وإصدار مرسوم يلزم باستخدام اللغة العربية بشكل كامل في جميع المشاريع الحكومية وشبه الحكومية ويؤكد على الاستخدام الصحيح والدقيق للعربية في تلك المشاريع، وإصدار قانون جديد ملزم لاستخدام اللغة العربية الفصحى في التعليم النظامي والتعليم العالي. كل ما أتمناه ألا تتحول هذه المبادرة إلى حبر على ورق، كما حدث لغيرها من المبادرات، وأن يتم تفعيلها على أرض الواقع، وتطويرها وجعلها استراتيجية وطنية دائمة قادرة على إعادة القوة للغة العربية والهوية الوطنية، وأن يكون موضوع ترسيخ ونشر وتصدير اللغة والثقافة العربية جزءا مهما من هذه الاستراتيجية، لأن اللغة جزء أساسي من مكونات قوة الدولة، خاصة بعد أن أصبح معيار التنافس عالمياً، ويرتكز على القوة "اللغوية والثقافية"، لأن الدولة التي تمتلك الهيمنة اللغوية تمتلك هيمنة المعارف والمعلومات والأفكار وهيمنة الثقافة بأكملها. يجب أيضاً زيادة الشروط الملزمة للشركات الأجنبية، وأهمها أن تتحمل هذه الشركات مهمة تفعيل الحفاظ على اللغة العربية وتصدير منتجاتنا الثقافية، ودفع اللغة العربية إلى العالم، وأن يُعاد النظر في الانتشار الكثيف للمدارس والجامعات الأجنبية، وأيضاً أن يُعاد النظر في قرار التدريس باللغة الإنجليزية في جامعاتنا الحكومية وفي مدارس التعليم العام، خاصة بعد أن أثبتت الدراسات الاجتماعية والتربوية ضرره الكبير على التعليم الوطني واللغة العربية، لأن اللغة كما يؤكد الباحثون تمثل ثروة اقتصادية، وأن تراكم المعرفة بها يُعادل تراكم الثروة المادية في باطن الأرض وعلى ظهرها وفي خزائن البنوك، ويتفق في ذلك عالم الاقتصاد الأميركي "روبرت لولوا" في نظريته "النمو الجديد" من أن التعليم باللغة الأصلية يُعد استثماراً مثالياً طويل الأجل، تزيد فوائده كلما أحسنت مؤسسات التعليم حسن إدارته واستشراف أهميته. ويكفي مثال واحد للتدليل على هذه الأهمية ما قاله رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون عندما كان وزيراً للمالية إن بريطانيا يمكنها أن تحقق التوازن التجاري لوارداتها المتزايدة من الأجهزة الكهربائية المنزلية والأزياء والبضائع العينية الأخرى بتصدير شيء واحد وهو اللغة الإنجليزية.