لقد تبين أن طلاب أميركا يعدون بين الأضعف عالمياً في مادة العلوم، قياساً إلى زملائهم في غالبية الدول الصناعية المتقدمة. تلك هي إحدى النتائج الرئيسية التي توصل إليها التقرير الصادر عن "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" المعنية بقياس الأداء الأكاديمي العالمي للطلاب في العلوم والرياضيات ومهارات القراءة، مع العلم أن تقريرها لهذا العام، أولى اهتماماً أكبر لقياس الأداء الأكاديمي للطلاب في سن الخامسة عشرة في مادة العلوم. وعادة ما تؤخذ النتائج التي يتوصل إليها هذا التقرير بعين الاعتبار لدى صناع السياسات والقرارات في الولايات المتحدة الأميركية، لما لها من أهمية في تبيان حقيقة الأداء الأكاديمي، وقرع أجراس الخطر في حالات الضعف، إلى جانب ارتباط نتائج التقرير بمؤشرات سوق العمالة المستقبلية، وبقدرة الطلاب على امتلاك المهارات المهنية اللازمة للسوق في المستقبل، آخذين في الاعتبار قدرتهم التنافسية في الاقتصاد العالمي. في التقرير المذكور، تصدّر طلاب فنلندا قائمة 57 دولة مختلفة من حيث الأداء الأكاديمي في مادة العلوم، بينما احتل نظراؤهم الأميركيون المرتبة التاسعة والعشرين من القائمة نفسها، مع العلم أنهم تخلفوا عن دول أخرى صغيرة مثل كرواتيا وجمهورية التشيك وليشتنشتاين، في حين تقدموا على نظرائهم في تسع دول فقط من قائمة الدول التي شملها التقرير. وهكذا انخفض أداء النظام التعليمي الأميركي الذي كان بالأمس القريب، معياراً ذهبياً تقاس به جودة التعليم على نطاق العالم بأسره، إلى معدل الوسط فحسب في مادة العلوم اليوم. وعلى رغم مرارة هذه الحقيقة، فإنها تبين كم اختلف عالم اليوم عن الأمس. هذا ما قاله "أندرياس سشلايشر" -الذي شارك في إعداد التقرير-؛ وعلى رغم مجيء الولايات المتحدة في المعدل الوسط من حيث كفاءة طلابها في مادة العلوم، فإن لها عدداً كبيراً جداً من الطلاب الدارسين لهذه المادة، بنسبة تعادل 1-4 في الفصول الدنيا. وأوضح السيد "سشلايشر" أنه وعند الأخذ بهذه الحقيقة الأخيرة –أي ارتفاع عدد طلاب مادة العلوم- قياساً إلى وسطية أدائهم الأكاديمي، فإن ذلك إنما يعد هؤلاء الطلاب بمستقبل مظلم في سوق العمل لاحقاً. لكن، وكما دأبت أميركا في الاستجابة لمثل هذه الحالات، فقد كانت هذه النتيجة حافزة لإرادة دعاة الإصلاح التعليمي، الذين رأوا فيها محك اختبار جديد وساحة عمل مغرية في ما يجب تغييره وإصلاحه في النظام التعليمي الأميركي، مع إعطاء أهمية قصوى لاستقطاب الرأي العام الأميركي لهذا الجهد. وبالنسبة للكثيرين من صناع السياسات، فإن هناك ارتباطاً وثيقاً في أذهانهم بين أداء الطلاب في المدارس، وأداء الاقتصاد القومي في السوق العالمية، على حد تعليق "مارك تاكر" -رئيس "المركز القومي للتعليم والاقتصاد"- الذي مضى مؤكداً أهمية الاستثمار التعليمي والاقتصادي في هؤلاء الطلاب منذ الصغر. ولكن من جانب آخر، يلزم القول إن نتائج هذا التقرير لا يأخذ بها جميع خبراء سياسات التعليم على أنها دليل قاطع على تدني أداء طلابنا في المادة المذكورة؛ ويستند هؤلاء إلى المصاعب الكامنة في القياس المقارن لنظم تعليمية شتى، تنتمي إلى ثقافات وشعوب متباينة أشد التباين فيما بينها. وهذا ما يدفع بعض الخبراء إلى القول إن النتائج التي يعلنها التقرير، ليست بتلك الاستقامة التي يوحي بها. وعلى سبيل المثال، فإن من رأي "كليفورد أدلمان" -الأستاذ المشارك بـ"معهد سياسات التعليم"- أن الناس كثيراً ما يعشقون سماع الأخبار السيئة. وفي كل مرة تطفو فيها إلى السطح مثل هذه الأخبار، حتى ترى الناس وهم يندبون على أميركا سوء أداء أطفالها في المدارس، غير أن الحقيقة أعقد بكثير مما تبدو عليه هذه القصص. ودلل "أدلمان" على هذا التعقيد بقوله على سبيل المثال: إن الطلاب الأميركيين يجلسون لامتحانات اللغات الأجنبية أكثر من غيرهم في أي مكان آخر في العالم. كما أن هناك من الدول من تتبنى سياسات نقل الطلاب الأضعف أداء في المواد الأكاديمية، إلى مؤسسات ومعاهد التدريب المهني، حيث لا يشملهم تقرير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" المذكور. وإلى ذلك لا بد أن نضيف حقيقة أن بعض الدول تتسم أصلاً بصغر حجمها وتجانس تركيبها السكاني. والسؤال –كما يثيره أدلمان- هو: كيف لنا أن نقيس كل هذه العوامل المتباينة إحصائياً؟ أي كيف لنا أن نقيس أداء طلاب دولة مثل أميركا، يبلغ تعداد سكانها نحو 300 مليون نسمة ينتمون إلى مختلف أجناس العالم وثقافاته، بأداء طلاب دولة أخرى صغيرة ومتجانسة مثل فنلندا، التي يقل سكانها عن الستة ملايين نسمة؟ إلا أن هناك من يرى في مثل هذه التساؤلات والحجج، سلوكاً تبريرياً لا طائل منه، ذلك هو رأي "بوب وايز" -رئيس "ائتلاف التميز التعليمي" والحاكم السابق لولاية ويست فرجينيا - فأياً كانت الأعذار والحجج التي يسوقها البعض، فإن النتيجة النهائية هي المواجهة والمنافسة المباشرة التي سيخوضها أطفالنا في المستقبل، مع أقرانهم من الدول والشعوب الأخرى في سوق العمل العالمي؛ وهذا ما يلزمنا بإصلاح النظام التعليمي ورفع القدرة التنافسية لأبنائنا. أماندا بولسون ــــــــــــ كاتبة ومحللة أميركية ــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"