انتهت هذا الأسبوع أزمة شريكي الحكم في السودان وتقرر أن يعود وزراء الحركة الشعبية لممارسة مهامهم بعد توقف استمر شهرين كاملين. لقد تم الاتفاق بين الطرفين على عدد من المسائل الإجرائية المهمة التي كان فيها موقف الشريك الأكبر "المؤتمر الوطني" مرفوضاً من الشريك الآخر "الحركة الشعبية لتحرير السودان" (الجنوب)، وتبقت قضية أخرى مهمة هي الخلاف حول وضع المنطقة الحدودية "أبيي" وهي التي وعد الطرفان بحسمها قريباً، وتشمل المسائل التي تم حولها الاتفاق: 1- حراسة مناطق البترول في الجنوب بفصائل من القوات المشتركة من الفريقين. 2- الالتزام الصارم بنقل القوات التابعة للمركز (القوات المسلحة) إلى المنطقة الواقعة داخل حدود السودان الشمالي وبقاء قوات "الحركة الشعبية" داخل حدود الجنوب، على أن يتم ذلك الترتيب قبل اليوم التاسع من شهر يناير المقبل. 3- بضعة إجراءات خاصة بالتحول نحو الديمقراطية والحريات وسيادة حكم القانون. إن أزمة الحكم التي أوشكت على أن تطيح بالسلام وتقضي على كل ما أنجز من تطور سياسي في السودان إثر التوقيع على اتفاقية "نيفاشا" عام 2005، أفرزت ما يمكن أن يغير إيجابياً كما أنها بذرت البذور لما يمكن أن يؤدي إلى نتائج سلبية تتعلق بمصير السودان كله. على الصعيد الإيجابي وعلى أساس القول برُب ضارة نافعة كان من إسقاطات هذه الأزمة أن تحركت قيادتا الشريكين للحوار والتقارب مع الأحزاب السياسية المعارضة في محاولة لكسب تأييدها لموقف كل منهما في الأزمة. ولم يكن سعي "الحركة الشعبية" للقرب من الأحزاب السياسية المعارضة غريباً رغم أن ذلك التقارب لم يكن نشطاً ومتواصلاً كما حدث هذه المرة. أما حزب "المؤتمر الوطني" فإن موقفه المعروف كان البعد عن الأحزاب المعارضة بل وتوجيه الاتهامات لها بالضعف وقلة الحيلة.. الخ، ولهذا فقد كانت خطوات تقاربه مع كتل المعارضة هذه المرة واضحة وتشكل نوعاً من التحول في سياساته إذا واصل ذلك الخط بعد نهاية الأزمة وهو ما يشك فيه كثيرون. لقد بلغ الأمر بعدد من قياديي حزب "المؤتمر الوطني" الذين أشرفوا على المحادثات مع أحزاب المعارضة على التلويح بقبول حزبهم لفكرة عقد المؤتمر القومي الجامع لكل القوى السياسية التي تشارك في الحكم والتي تقف ضده للحوار والتفاهم حول قضايا السودان الكبرى مثل قضية الوحدة بين الشمال والجنوب وقضية دارفور وغيرهما، وكان حزب المؤتمر الوطني حتى وقت قريب يعارض هذه الفكرة بقوة وإصرار. أما أبرز سلبيات هذه الأزمة وأخطرها فهو أنها أحدثت شرخاً عميقاً في مستقبل العلاقة بين شمال السودان وجنوبه، ولاشك أن هذه الأزمة واستمرارها لشهرين كاملين قد أضاف الكثير لدعاة الانفصال في الجنوب بل وحتى في الشمال رغم أن الأخيرين ظلوا أقلية حتى اليوم. إن استقرار الحكم في السودان والخروج من أزماته المتلاحقة والانتقال به من واقعه الحالي إلى رحاب الديمقراطية وسيادة حكم القانون وكذلك ضمان تنفيذ اتفاقية (نيفاشا) تنفيذاً أمينا ودقيقاً، كل هذا لا سبيل إليه إلاّ بإشراك كل قوى السودان السياسية وتنظيماته المدنية بل وحتى قبائله الكبيرة في الحوار المشترك وفي أجهزة الحكم القائدة. محجوب عثمان