تشريح ظاهرة "أوباما"
على مدار الأسابيع القليلة الماضية، ومع تزايد الاهتمام بالانتخابات الرئاسية الأميركية 2008، طلب مني العديد من الأصدقاء عبر العالم العربي، أن أخبرهم عن رأيي في باراك أوباما.. وعما إذا كان بمقدوري أن أشرح لهم سر الظاهرة التي يرونها على شاشة التلفاز.. وما إذا كان باستطاعته الفوز؟
وفيما يلي إجابتي عن هذه الأسئلة: إن متابعة أوباما منذ أن ظهر على المسرح وصولاً إلى جولة استعراض القوة المميزة التي طاف خلالها بثلاث ولايات بصحبة مقدمة البرامج الشهيرة أوبرا وينفري توصلنا إلى نتيجة وهي أن ظاهرة أوباما تحتاج إلى تأمل وإلى فهم.
فالمواقف التي يتخذها المرشح الانتخابي بشأن القضايا الحيوية، والمعايير التي يتم تقييمه بها، مثل الخبرة، والحكم السليم على الأمور، والقدرة على اتخاذ المبادرات، ليست كافية في حد ذاتها لشرح الظاهرة التي نراها تتكشف أمامنا. فهناك شيء أكثر عمقاً يحدث الآن في الحملة الانتخابية الحالية ويتعلق بشخصية أوباما نفسه. فمنذ عام تقريباً أخبرتني ابنتي التي تعمل كمصممة جرافيك، وتهتم مثل غيرها من الفتيات والفتيان ممن هم في مثل سنها بالأمور التي تهم الرأي العام الأميركي أنها متحمسة لأوباما على الرغم من أنها كثيراً ما كانت تقول لي إنها قد أصبحت تسأم من السياسة، وترتاب في السياسيين.
كانت ابنتي قد استمعت إلى أوباما وهو يخطب، وتأثرت بما وصفته بـ"مصداقيته ووضوحه". وهي لم تره كسياسي تقليدي مثل غيره وإنما كسياسي من نمط جديد -وخصوصاً بعد دعوته لنهج مختلف في السياسة- يبعث فيها "الإحساس بالأمل".
وقالت لي ابنتي أيضاً: "إن جيلكم لديه الكثير من الشخصيات الفذة في السياسة مثل كنيدي ومارتن لوثر كنج، لا يمتلك جيلي شخصيات مثلها. وإنني أريد أن أصدق أن هذا الرجل يمكن أن يحدث فارقاً".
لقد رأيت جاذبية باراك أوباما وسحره على الطبيعة في اليوم الذي ألقى فيه أول خطاب في حملته أمام اللجنة الديمقراطية الوطنية في فبراير 2007. كان خطابه مميزاً مقارنة بالخطب التي ألقاها بقية المرشحين، والتي بدت متشابهة إلى حد كبير، حيث لم تزد على سردية طويلة من القضايا والوعود الشخصية مع الحرص على إنهاء كل فقرة من فقرات الخطاب بتعبير حماسي استدراراً لتصفيق الحاضرين. وعندما جاء دور أوباما، بدأ يلقي خطاباً هادئاً وعميقاً عن الخلل الذي أصاب خطابنا السياسي، وحاجة أميركا إلى بعث الأمل من جديد في نفوس الناخبين من أجل حشد الإجماع الذي نحتاج إليه كي نكون قادرين على إحداث تغيير حقيقي.
وبينما كان أوباما مستمراً في إلقاء خطابه كان جمهور القاعة صامتاً وكأن على رأسه الطير. وعندما تلفت حولي، رأيت تعبيراً جديداً على وجوه الـ600 شخص أو نحو ذلك الذين حضروا الخطاب، والذين كان أوباما حريصاً على إظهار الاحترام لهم وكانوا هم حريصين بدورهم على إظهار الاحترام له والاهتمام بما كان يقوله.
وعندما انتهى أوباما من خطابه هذا ضجت القاعة بتصفيق مدوٍّ.
وقراءة السيرة الذاتية لأوباما وعنوانها "الأحلام التي ورثتها عن والدي" قد تساعدنا جزئياً على فهم الرجل، وفهم سبب القبول الذي يحظى به. وهذه السيرة تتحدث عن مسارات حياته المعقدة، واكتشافه لمعنى الشخصية، ودور أسرته، ومجتمعه، والإرث الذي ورثه من والدته، ومن أبيه الغائب.
وكون أوباما يبدو كرجل في حالة سلام مع نفسه، رابط الجأش وقادراً على الإيحاء بالصدق يرجع في المقام الأول إلا أنه يتصرف على سجيته، ولا يحاول أن يكون إلا نفسه. وهذه الصفة تحديداً هي التي تضفي عليه طابعه الشخصي المميز. فسواء رأيناه على خشبة المسرح، أو في وسط جمع غفير، أو منخرطاً في مناقشة جادة، فإنه يبدو هادئاً مرتاحاً. وفي أوقات أخرى، يبدو مستمعاً جيداً لما يقوله الآخرون، ومتفاعلاً معهم.. وهي صفات ستفيده كثيراً عندما تصل الحملة إلى ذروتها وقمة توترها، ويجد المرشحون أنفسهم تحت ضغوط نفسيه تختبر قدراتهم.
هل معنى ذلك أنه بإمكان أوباما أن يفوز؟ إن أرقام استطلاعات الرأي الخاصة به تتحسن يومياً، ولكن في النهاية فإن الناخبين في ولايات إيوا، ونيوهمبشاير، وساوث كارولينا، ونيفادا هم الذين سيجيبون عن هذا السؤال في يناير. هل هو صادق.. وهل الحراك الذي أثاره في الحقل الانتخابي ذو أهمية؟ الإجابة على هذا السؤال، وحسب كافة الدلائل والمؤشرات المتاحة هي: نعم.