عام الهوية الوطنية... أي هوية تحديداً؟!.. إنها لسان عربي وروح عروبية ممتدة في عمق الوطن العربي، وقلب مسلم بأبعاد الإسلام العقدية والحياتية المختلفة والمؤسسة لإنسان له هوية يعتز بها ويفاخر بها الآخرين. فاحترام الإنسان لهويته وتمسكه بها يعني استمرارية واقعية لهذه الهوية على امتداد المستقبل، وحتى مع التحولات التي تحدث مع تيارات عولمية، تبقى الهوية المستمدة من قناعة وممارسة وهدف، هي الشكل الأصيل لبناء المستقبل والاعتناء به. لكن نحن هنا، في دولة يعتمد اقتصادها على أطياف متعددة من جنسيات قادمة من أصقاع الكون، لابد من توجيه سياسة محددة وبأهداف واستراتيجية واضحة للآخر المغترب أو الوافد الضيف، فكثيراً ما يخالج هذا الآخر شعور متواطئ بالخيانة لوطنه أو لهويته، أو ربما استعار هوية البلد المضيف ليخفت شعوره بالغربة والقلق، لذا كان من الضرورة بمكان أن تكون هوية الوافد الضيف واضحة بالنسبة له وأن يكون مدركاً لهوية هذه الدولة ومحددات ثقافاتها وأطر تفاعلها مع واقعها ومستقبلها، وقبل كل شيء ماضيها البعيد. فالإنسان الإماراتي من الاعتزاز والإدراك الواعي، أو اللاواعي، بهويته ودينه ولسانه وتفاصيل أعرافه الاجتماعية المحترمة، شاء أم أبى. لكن يبقى الآخر الذي يسعى بشكل أو بآخر لطمس هذه الهوية وتحويلها لهوية عالمية، بإمكانها التعايش مع أي جنسية وافدة أخرى، وهنا تكمن الخطورة، فهل نحن في حاجة إلى تقديم تنازلات من هذا النوع الذي يفضي إلى تحويل البلد إلى مجرد واجهة زجاجية تعرض بضائع من كل مكان في العالم وباستحياء وتعرض بقايا من تراثها! بالتأكيد لا! لأن احترام الآخرين لنا وتقديرهم لهذا المكان قائم على قناعاتنا أولاً بأصالتنا، وبأننا ننتمي إلى هوية راسخة كجذور النخيل وفرعها ممتد نحو السماء. لأن التساهل في أمور خفية يتيح التساهل في أمر الهوية، والتفريط بها يعني الإنذار بأن هناك خللا ما يجري من بين أصابعنا دون أن نشعر بأننا نفقده. فالأمر ليس صراعا بين الـ"نحن" والـ"هم"، إنه المكان بأصوله وتراثه وقصصه وشكل واقعه وتوقعات مستقبله... وهو مرتبط كذلك بمفردات تزيح عن كاهلنا همّ الحفاظ على أشكالنا وملابسنا وأخلاقنا، وبكل المخاوف من أن نفقد فجأة هوية هي عنوان فعلي لهذه الدولة وعلامتها الفارقة بين الدول الأخرى. فنبرة الخوف باتت واضحة وجلية في لغة أهل المكان، فالتأكيد على الهوية لا يعني التنازل عن حق أو انتهاك حق الآخرين، لكنه يعني الحفاظ على الشكل الجميل والأصيل والقادر على البقاء، رغم كل التيارات الصعبة التي تحيط بنا من كل مكان. فعام الهوية يستدعي التأكيد على تفاصيل غاية في الدقة والصغر، لكنها موغلة في الخطورة والتداعيات، لذلك كان تسمية العام بعام الهوية، يعني أن هناك اهتماماً مشتركاً لابد أن تتضافر فيه الجهود لتثبيت دعائم هذه الهوية ولترسيخ أطرها وشكلها العميق الموغل في النفس، لابد وأن تكون هدفاً وأصلاً في رسم وتثبيت شكلنا العام والخاص، على حد سواء.