إذا ما طاف المرء بجولة في موسكو هذه الأيام، فقد يكون من الصعب عليه أن يدرك أن الانتخابات التي ستجري اليوم هي انتخابات تتعلق بتشكيلة الفرع التشريعي من السلطة. يرجع السبب إلى تلك اللوحات الكبيرة المعلقة في كل مكان، والتي تحمل شعارات مثل "بوتين هو خيارنا" أو"موسكو كلها تصوت لصالح بوتين". أما اسم حزب "روسيا المتحدة" الذي كتبت هذه العبارات باسمه والذي يتصدر قائمة الأحزاب المرشحة للفوز بالانتخابات، فيظهر في الجزء الأيمن السفلي من اللوحة بخط صغير يكاد يكون غير مقروء، بينما تكاد تختفي اللوحات الدعائية الخاصة بالأحزاب الأخرى من المشهد كله. لقد تحولت الانتخابات البرلمانية التي تجري في روسيا حالياً إلى استفتاء على رئاسة بوتين. واستخدام الانتخابات البرلمانية من أجل تعزيز سلطته، سيمكنه من الالتفاف على الشرط الخاص بضرورة تنحيه عن الحكم عام 2008 ومن البقاء في موقع المسؤولية -في منصب يختاره لنفسه- حتى بعد انتهاء فترة رئاسته الثانية. وتحويل انتخابات مجلس "الدوما" إلى استفتاء، قد يفسر السبب الذي يجعل "الكرملين" يتصرف بهذا القدر من العصبية بشأن تصويت تشير كل الدلائل إلى أنه سيفوز به، كما يفسر السبب الذي يجعله يحذر من أعداء جدد يواجهون روسيا. حتى فترة قريبة كان كل ما تريده الحكومة من الشعب الروسي هو الطاعة السلبية التي لم يقصر الشعب في تقديمها لأن حكومة بوتين لم تقصر في عملها هي الأخرى، كما أنها نجحت في تحسين مستوى المعيشة، وترسيخ الشعور بالانتماء لروسيا القوية التي تحسب لها القوى الكبرى ألف حساب. ويشار إلى أن نسبة التأييد لحزب روسيا المتحدة تبلغ 40% تقريباً، وأن الروس قد اختاروا التصويت لصالح هذا الحزب المؤيد للكرملين. لكن الاستفتاء على الثقة يختلف عن الانتخابات، فهو يتطلب موافقة شعبية عامة، تمنح الرئيس حرية التصرف في قيادة الأمة إلى أي اتجاه يريد قيادتها إليه. والاستفتاء يتطلب أن يكون عدد المشاركين كبيراً من ناحية، كما يتطلب من ناحية أخرى أن يكون أولئك المشاركون على درجة كبيرة من الحماس للشخص أو الموضوع الذي يتم استفتاؤهم بشأنه. ونمط بوتين في الحكم الأبوي الذي يقوم على إبعاد الناس عن السياسة على أساس أنه هو من ينوب عنهم في رعاية مصالحهم، ليس مناسباً للاستفتاء... فالمطلوب من أجل نجاح الاستفتاء هو الحشد والتعبئة أكثر من نمط الحكم الأبوي. علاوة على ذلك نجد أن حشد الشعب الروسي ليس سهلاً خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار النفور الطبيعي الذي يحمله الشعب للسياسة وعدم مبالاته بها، وهو موقف ساهم النظام الحالي في ترسيخه. والتحول الأخير من الانتخابات إلى الاستفتاء أدى إلى زيادة التوتر الذي أصبح سمة مميزة لأداء أجهزة الإعلام التي تتحكم فيها الدولة، وللسلطات الإدارية، وسلطات تنفيذ القانون التي لم تتورع عن فعل أي شيء من أجل زيادة عدد المشاركين في الاستفتاء، وضمان نسبة تصويت عالية لحزب روسيا المتحدة، وحرمان المنافسين حتى أقلهم شأناً من كافة المزايا. وتشير التقارير إلى أن الأجهزة الحكومية لم تتورع عن ممارسة حيل مختلفة من أجل ضمان ذلك، منها إجبار موظفي الحكومة على أخذ إجازات من عملهم للمشاركة في الاستفتاء ليس في المراكز القريبة لمحل سكنهم كما جرت العادة، بل في دوائر معينة في مناطق بعيدة للإدلاء بأصواتهم، حيث يمكن للرئيس أن يضمن أن أصواتهم سوف تذهب لصالح مرشحي روسيا المتحدة. من ضمن الصعوبات الأخرى التي تواجه الكرملين في هذا الاستفتاء، عدم وجود نقطة أو هدف واضح يمكن الالتفاف حوله. وهو ما يرجع إلى عدم وجود تهديد، أو تحد واضح يواجه روسيا في الوقت الراهن. فمستوى المعيشة يتحسن باستمرار كما أشارت كافة استطلاعات الرأي، كما أنه لا يوجد متحد صريح لبوتين. علاوة على ذلك نجد في الوقت الراهن جوقات من المسؤولين والمؤيدين يعزفون على نغم الحاجة إلى "مواصلة الطريق والبقاء على الدرب". ويذكر في هذا السياق أن بوتين كان قد أدلى بتصريح في منتصف شهر نوفمبر الماضي قال فيه، وبنبرة تحد واضحة: "إذا كان هناك آخرون يقولون إنهم إذا ما جاءوا إلى الحكم، سيؤدون الأشياء بشكل أفضل، فليأتوا إلينا... لكني أقول إنهم إذا ما أتوا فإن جميع الإنجازات الروسية سوف تنهار". بيد أن شعار مواصلة الطريق والبقاء على الدرب، ليس شعاراً يصلح كي يكون شعاراً للفوز في الانتخابات، عندما لا تكون هناك معارضة سياسية يمكن الحديث عنها، وعندما لا توجد أي قوة تهدد سياسات الكرملين. المتفائلون يصفون تلك الأساليب وذلك الخطاب المحتدم من جانب الكرملين بأنه يندرج في ما يعرف بحمى الانتخابات، وهم يرون أن تلك المشاعر المتوترة سوف تهدأ، بعد أن يكسب بوتين الاقتراع على الثقة، ويبدأ في تنفيذ مخططاته السياسية. ولكن أسلوب الحشد من خلال إثارة الكراهية، سلاح خطر حتى لو كان مغرياً. فزيادة كراهية الشعب ضد أعداء حقيقيين أو متخيلين، طبقيين أو عرقيين، قد يكون أمراً مدمراً بالنسبة للمجتمع الروسي الضعيف وغير المتسامح من حيث الجوهر. ماشا ليبمان رئيسة تحرير مجلة "برو إيه كونترا" الصادرة عن مركز كرنيجي، فرع موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"