يتحمل الشعب الفلسطيني مسؤولية بقاء رئيسيه الحالي والسابق، ولم يجنِ ثمرة من انتخابه لهما. هكذا يردد متشددو اليهود والإنجيليون العاشقون لإسرائيل إلى حد التطرف، في تأكيد مواقفهم القاطعة المسبقة ضد الفلسطينيين، ويقفون لهم بالمرصاد لإحباط أي جهود يبذلونها أملاً في تغيير واقعهم الحالي، وهي مواقف ليست فيها ذرة واحدة من المزاح. ولكن ها هو الرئيس بوش يمضي نحو مخرج ما من هذا التصلب المنحاز. وها قد حان الوقت كي يصحح ذلك الخطأ الفادح الذي ارتكبه، جراء سماحه بانسحاب خطاب حربه على الإرهاب، على الحركة الوطنية الفلسطينية، التي دمغت هي الأخرى بـ"الإرهاب". وربما كان الأمل الأكبر له في لقاء "أنابوليس"، أن يضع يده في يد سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطيني، خريج جامعة تكساس. ذلك أن فياض هو الذي يمثل الواجهة العملية للحركة الفلسطينية. وعلى رغم تعرضه للتهميش مثل كثيرين غيره من الفلسطينيين، إلا أنه تمكن من تخطي ثقافة "الضحية" التي طالما حبست طاقات الكثيرين غيره. ومما صرح به فياض عبر لقاء صحفي أجريته معه على امتداد ساعة كاملة، أن عاماً واحداً فحسب يعتبر أكثر من كافٍ للتوصل إلى اتفاقية سلام ووضع حد نهائي للنزاع. غير أن الرئيس بوش لم يبدِ رغبة في التوصل إلى نهاية كهذه، طوال السنوات السبع الماضية التي أمضاها في مكتبه بالبيت الأبيض. وبدلاً من ذلك واصل اجتراره لعدد من خرائط الطريق الممتدة من بغداد إلى القدس. وكان بوش قد تحدث مبكراً عن حل الدولتين، إلا أنه سرعان ما انصرف عنه، وتشتتت أنظار سياساته الخارجية الشرق أوسطية كلها، إلى جانب اختلالها وافتقارها للتوازن. وبعد أن تجاوز بوش مؤخراً نقمته السابقة على كل الإرث الذي خلفته إدارة كلينتون، بما فيه إرث سياساتها ومبادراتها الشرق أوسطية، ها هو يدعو طرفي النزاع إلى لقاء "أنابوليس". رغم أن هذه الدعوة قد تأخرت، ولم تشمل أطرافاً كإيران وحركة "حماس". ولا شيء في هذا اللقاء أكثر من التعلق والتمسك بما قد تفضي إليه، وعلى بوش أن يستثمره أقصى ما يكون الاستثمار. فالفلسطينيون شديدو التعلق بالأمل الذي تفتحه "أنابوليس" لكونهم بلغوا طريقاً مسدوداً، ولأنهم الطرف الخاسر على امتداد الستة عقود الماضية، جراء ما أصابهم، ولانحباسهم المستمر بين جدران ثقافة "الضحية" المغلقة. وكما لاحظ فياض، فقد هاجر في العام الماضي وحده من الفلسطينيين، ما يزيد على 50 ألفاً.. فكيف لهذا أن يستقيم مع أي حديث لوضع حد للاحتلال الإسرائيلي لبلادهم؟ أما تشبث الإسرائيليين بهذا اللقاء فيبدو أقل حماساً. فعلى رغم ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي ونموه، إلا أن ذلك لم يشمل ازدهاراً وتنامياً مماثلين للروح الإسرائيلية. كيف وقد انقلبت أربعة عقود من احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ 1967 إلى لعنة عليهم؟ وبسبب ذلك الاحتلال تواصل الوجود المزعزع للدولة اليهودية نفسها. وفي مواجهته لضعف الفلسطينيين، آثر بوش تقديم التنازلات أمام قوة الطرف الإسرائيلي. ولكن عليه اليوم أن يساعد الفلسطينيين على تجاوز ضعفهم، بالوقوف إلى جانبهم في مطالبهم الأساسية. وفي المقابل فإن عليه أن يلحّ على أن تقدم إسرائيل ما يلزم من تنازلات -أيديولوجية وسياسية. وفي هذا فإنه يغدو لزاماً عليه أن يقول للإسرائيليين بكل وضوح: "بدون إحلال السلام، فلتعلموا أن معدلات النمو السكاني لجيرانكم الفلسطينيين، مع تزايد موجة التشدد في أوساطهم، يجعلان حياتكم وأمنكم أكثر عرضة للخطر". وفيما حدثني عنه فياض خلال الحوار الصحفي الذي أجريته معه، أنه سيحضر لقاء "أنابوليس" اليوم، وهو يشعر ببعض الإحباط وخيبة الأمل، بسبب عدم إحراز أي تقدم في أي من القضايا الخلافية الأساسية قبل انعقاد اللقاء: الوضع النهائي لمدينة القدس، وترسيم الحدود الفاصلة، وتفكيك المستوطنات. ولكل هذا العجز، فإنه ليس مقدراً للقاء "أنابوليس" أن يثمر عن شيء، عدا إطلاقه لعملية تفاوض جديدة أكثر مثابرة وجدية. وحدثني فياض أن نجاح هذه العملية يحتاج إلى ثلاثة عناصر أساسية، أولها الإعلان الصريح من جانب إسرائيل عن عزمها على "وضع حد لاحتلالها للأراضي الفلسطينية الذي بدأته منذ عام 1967" وفقاً لما نصت عليه قرارات مجلس الأمن الدولي، بما فيها القرار رقم 242، الذي ورد فيه النص المذكور. وثانيها أن يسفر لقاء "أنابوليس" عن التزام إسرائيلي صريح بتجميد المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وإزالة جميع نقاط التفتيش غير الشرعية المنصوبة فيها، في مقابل التزام الفلسطينيين ببناء مؤسساتهم ومحاربة الإرهاب. ثالثاً وأخيراً لابد من التوصل إلى جدول زمني، وصياغة نهائية للوضع السلمي النهائي، في ظل فترة ولاية رئاسة بوش الحالية. وقد وافقتُ فياض دون أدنى تحفظ مني على أهمية جميع هذه العناصر الثلاثة التي ذكرها. غير أني باغتّه بسؤال مهم حول قدرة السلطة الفلسطينية على طمأنة إسرائيل على سلامتها وأمنها. وهنا تلجلج فياض بعض الشيء. وجاء في إجابته عن السؤال أنه من أنصار التعددية السياسية، إلا أن التعددية لا تعني مطلقاً السماح للمليشيات العسكرية المسلحة، بأن تتخذ القرارات هنا وهناك في تجاهل صريح للسلطة الفلسطينية. وأكد فياض ضرورة إرساء النظام والقانون. وفي هذا المعنى أكد فياض أن خلافات الفلسطينيين الداخلية فيما بينهم -بما فيها الخلاف القائم حالياً مع حركة "حماس"- سوف تحل في إطار حدود الدولة الفلسطينية المأمولة. روجر كوهين كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"