هل ما زالت الحداثة صالحة لكي تجيب عن أسئلتنا المعاصرة؟ ربما... وربما الأهم أن نسأل عن حالة الانكسار المعرفي الذي تسبب في النقلة من الحداثة إلى ما بعد الحداثة، في سائر العلوم الاجتماعية.. وربما نستطيع أيضاً وضع ستة أسباب تتعرض كلها لإخفاقات العلم في العصر الحديث... ولأن الحداثة تهمل الريفي والقُطري والقدسي... جاء ما بعد الحداثة تلبية لرغبة الجماهير التي رفضت الأطروحات الحداثية. ثمة أسئلة ربما طرحها كثيرون قبلي وأهمهم كاتب الخليج الرائد عبدالله الغذامي، الذي طرح تساؤلاً أكثر إلحاحاً يقول: هل نستسلم للغرب في نقلاته السريعة.. أم نتوقف عند الحداثة لنشبع نهمنا منها، أولاً ثم ندخل -بعد ذلك- في حفلة الترف الفكري الغربي؟ وأنا أرد بتساؤل أكثر اقتراباً من واقعنا اليوم: هل أصبحنا نحن العرب أسرع من الغرب في حداثتنا الجديدة؟ وهل أصبح الغرب اليوم يتطلع نحونا للحاق بنا؟ في مسيرة الحداثة؟ قبل أية إجابة لابد من تحديد المفاهيم فهي مشكلة أي تصور فكري يضطلع بمقاربة مثل هذه التساؤلات. والتركيز هنا في حواري هذا ليس على المنطقة العربية وموقعها من الحداثة أو ما بعد الحداثة، وإنما التركيز هنا على منطقة الخليج، هل هي بالفعل دخلت مرحلة الحداثة، أم هي تعد الخطى لما بعد الحداثة كذلك؟ هل نحن فيما قبل أم فيما بعد؟ هل من حقنا طرح هذا السؤال؟ لنعدْ إذاً إلى أسئلتنا السابقة: عن (حالة) هذا الانكسار المعرفي الذي تسبب في النقلة من الحداثة إلى ما بعد الحداثة في سائر العلوم الاجتماعية. هنا تضع "بولين ماري روزينو" ستة أسباب تسردها كالتالي: بدت العلوم الحديثة وكأنها عاجزة عن إحداث النتائج الدراماتيكية التي ظل العلماء المحدَثون يعدوننا بها، وهذا أدى إلى تشكك في صفوف المتحمسين لهذه العلوم. وقد جرى ذلك على العلوم الاجتماعية والتجريبية على السواء. وإن كانت العلوم الحديثة تعتمد على تصحيح أخطائها على المدى الطويل، إلا أن أخطاءها الراهنة تبدو تراجيدية ومهلكة وهذه حقيقة ماثلة. لقد ألهبوا التوقعات ولكنهم لم يحققوا الوعود، كما تقول روزينو، بدأ الانتباه يتركز على إساءة استخدام العلوم الحديثة، وعلى تسخير هذه العلوم لخدمة الغرب على حساب كل العالم الآخر في الشرق والجنوب. وها هو الغرب يجني ثمار سوء استخدامه لهذه العلوم في تدمير الأرض والطبيعة والمناخ. وبدأت الآن مراكز العلوم الغربية تبحث في العودة إلى تصحيح المسار العلمي في كل العلوم والتجارب، وها هي البراكين والزلازل وفيضانات كاليفورنيا الأخيرة وحرائقها تعيد تنبيه الغرب بسوء استخداماته لهذه العلوم. ولم يعد في وسع القائمين على هذه العلوم التستر على أخطاء الحكومات الغربية "الديمقراطية" من جهة، وبروز الآثار السلبية لهذه الحكومات من جهة أخرى. إننا نطرح هذه الآراء ونحاول في حوارنا القادم تجريب التطبيق على مجتمعاتنا الخليجية، ونفتح باب الحوار في نفس هذه القضية: هل مجتمعاتنا تسير وفق مسيرة الحداثة أو ما بعد الحداثة؟